لكون خلقتهم على حالة تقتضي البقاء، فهي محكمة محفوظة من التحلل المحوج إلى البدل، بخلاف خلقة أهل الدنيا فإنها على حالة تقتضي الفناء، فهي ضعيفة محتاجة إلى ما يحصل به القوام. وقال بعضهم: خصها بالذكر؛ لأن الفواكه من أتباع سائر الأطعمة، فذكرها مغن عن ذكر غيرها.
يقول الفقير (١): والظاهر أن الاقتصار على الفواكه للترغيب والتشويق من حيث إنه لا يوجد في أغلب ديار العرب خصوصا في الحجاز أنواع الفواكه. وجملة قوله: ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ في محل نصب على الحال من ضمير ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: معظمون عنده تعالى، برفع درجاتهم عنده، وسماع كلامه ولقائه في الجنة، لا يلحقهم هوان. وذلك أعظم المثوبات وأليقها بأولي الهمم. وقال بعضهم: لما فصل خصائص رزقهم بيّن أن ذلك الرزق، يصل إليهم بالتعظيم والإكرام. لأن مجرد المطعوم من غير إعزاز وإكرام يليق بالبهائم. وقرأ الجمهور (٢) ﴿مُكْرَمُونَ﴾ بتخفيف الراء. وقرأ ابن مقسم ﴿مكرمون﴾ بفتح الراء مشددًا.
ومعنى الآية: أي لكن عباد الله، الذين أخلصوا له العمل، وأنابوا إليه أولئك لهم جنات يتمتعون فيها بكل ما لذ وطاب، فيتمتعون بلذيذ الفواكه ذات الطعم الجميل، والرائحة الشذية، وتأتيهم وهم مكرمون. كما تقدم للملوك المترفين وذوي اليسار في الدنيا. وفي ذلك إيماء إلى أن ما يأكلونه في الجنة، إنما هو للتفكه والتلذذ لا للتقوّت، كما مر، لأنهم في غنى عنه لعدم تحلل شيء من أجسامهم بالحرارة الغريزية، حتى يحتاجوا إلى بدل منه. وما جاء في قوله: ﴿وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)﴾ فهو بيان لأنواع ما يأكلون.
٤٣ - ثم بيّن المكان الذي يأتيهم فيه الرزق، وذكر حالهم إذ ذاك. فقال: ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ يجوز أن يتعلق بـ ﴿مُكْرَمُونَ﴾، وأن يكون خبرًا ثانيًا، وأن يكون حالا. والنعيم: النعمة؛ أي: في جنات ليس فيها إلا النعيم. فالإضافة للاختصاص، والظرف يقرر محل الرزق والإكرام.
٤٤ - وقوله: ﴿عَلى سُرُرٍ﴾ يحتمل أن
(٢) البحر المحيط.