يكون حالًا، وأن يكون خبرًا ثالثًا، جمع سرير. وهو الذي يجلس عليه من السرور إذ كان كذلك لأولي النعمة. ويجوز أن يتعلق ﴿عَلى سُرُرٍ﴾ بقوله: ﴿مُتَقابِلِينَ﴾؛ أي: حال كونهم متقابلين على سرر. وهو حال من الضمير في قوله: ﴿عَلى سُرُرٍ﴾. والتقابل وهو أن ينظر بعضهم وجه بعض أتم للسرور والأنس. وقيل: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرّة بهم. ثم أن استئناس بعضهم برؤية بعض صفة الأبرار، فإن من صفة الأحرار أن لا يستأنسوا إلا بمولاهم. وقرأ الجمهور ﴿عَلى سُرُرٍ﴾ بضم الراء. وقرأ أبو السمال بفتحها. وهي لغة بعض تميم وكلب، يفتحون ما كان جمعًا على فعل من المضعف إذا كان اسمًا.
والمعنى: أي إنهم يأتيهم ذلك الرزق وهم في جنات النعيم جالسين على سرر متقابلين ليأنس بعضهم ببعض، ويتمتعوا بطيب الحديث. وفي ذلك لذة روحية لا يدركها إلا ذوو النهى وأرباب الحجا.
٤٥ - وبعد أن ذكر صفة مأكل المخلصين ومسكنهم ذكر صفة شربهم، فقال: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ﴾ استئناف مبني على ما نشأ عن حكاية تكامل مجالس أنسهم؛ أي: يدار عليهم وهم على سرر ﴿بِكَأْسٍ﴾؛ أي: بإناء فيه خمر (١). فإن الكأس يطلق على الزجاجة ما دام فيها خمر، وإلا فهو قدح وإناء. ﴿مِنْ مَعِينٍ﴾ صفة كأس؛ أي: كائنة من شراب معين؛ أي: ظاهر للعين أو من نهر معين؛ أي: جار على وجه أرض الجنة. فإن في الجنة أنهارا جارية من خمر، كأنها جارية من ماء.
وفي الآية إشارة إلى أن قومًا شربوا، ومشربهم الشراب بالكأس، والشراب معين محسوس، وقومًا شربوا، ومشربهم الحب، والحب مغيب مستور، وقومًا شربوا، ومشربهم المحبوب هو سر مكنون.

نَسِيْم الحُبِّ يُحْييْكُمْ رَحِيقُ الْحُبِّ يُلْهِيْكُمْ
مِنَ الْمَحْبُوبِ يَأْتِيْكُم إِلَى الْمَحْبُوْب يُنْهِيْكُمْ
والمعنى (٢): أي وكما يتمتعون بطيب المأكل، يتمتعون بجيد الشراب،
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon