٤٧ - ثم زاد في مدحها، وامتيازها عن خمر الدنيا فقال: ﴿لا فِيها غَوْلٌ﴾؛ أي: ليس في تلك الكأس غول. قال ابن عباس، وقتادة: هو صداع في الرأس. وقال ابن عباس أيضًا، ومجاهد، وابن زيد: وجع في البطن، انتهى. ولكن لفظ الغول يشمل جميع أنواع المفاسد الناشئة من شرب الخمر، فينتفي جميعها من صداع وسكر ومغص وخمار؛ أي (١): هي لا تؤثر في الأجسام كما تؤثر خمور الدنيا، فلا تصدع الرأس ولا تفسد العقل بالسكر، كما يكون في خمر الدنيا، كما قال:

فَمَا زَالتِ الْكَأسُ تَغتَالُنَا وَتَذْهَبُ بالأوَّلِ الأوَّلِ
والخلاصة: أنه ليس فيها شيء من أنواع المفاسد التي تكون حين شرب الخمر في الدنيا. فهي لا تحدث صداعًا، ولا خمارًا، ولا سكرًا، ولا عربدةً، ولا نحو ذلك، مما هو لازم لخمور الدنيا. وجملة ﴿لا فِيها غَوْلٌ﴾ من المبتدأ والخبر صفة رابعة لكأس أيضًا، وبطل عمل لا، وتكررت لتقدم خبرها.
﴿وَلا هُمْ﴾؛ أي: المخلصون ﴿عَنْها﴾؛ أي: عن خمر الجنة ﴿يُنْزَفُونَ﴾؛ أي: يسكرون، من نزف الشارب فهو نزيف إذا ذهب عقله من السكر.
قرأ الحرميان (٢): نافع وابن كثير، والعربيان: أبو عمر وابن عامر ﴿ينزفون﴾ بضم الياء وفتح الزاي هنا، وفي الواقعة مبنيًا للمفعول، من نزف الثلاثي، يقال: نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله من السكر. وقرأ حمزة، والكسائي بضم الياء وكسر الزاي فيهما، من أنزف الرباعي، يقال: أنزف الرجل إذا سكر وذهب عقله أو نفد شرابه. وقرأ عاصم: بفتحها هنا، وكسرها في الواقعة. وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي. وقرأ طلحة بفتح الياء وضم الزاي.
ثم إنه (٣) أفرد هذا بالنفي مع اندراجه فيما قبله من نفي الغول عنها لما أنه من معظم مفاسد الخمر، كأنه جنس برأسه.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon