والمعنى: لا فيها نوع من أنواع الفساد من مغص؛ أي: وجع في البطن أو صداع أو حمى أو عربدة؛ أي: سوء خلق. والمعربد مؤذ نديمه في سكره، اه «قاموس»، أي: لا لغو فيها ولا تأثيم ولا هم يسكرون. وفي «بحر العلوم»: وبالجملة ففي خمر الدنيا أنواع من الفساد من السكر، وذهاب العقل، ووقوع العداوة والبغضاء والصداع والخسارة في الدين والدنيا، حتى جُعل شاربها كعابد الوثن ومن القيء والبول، وكثيرًا ما تكون سببًا للقتال والضراب والزنى، وقتل النفس، بغير حق، كما شُوهد من أهلها، ولا شيء من ذلك كله في خمر الجنة. قال بعضهم: جميع البلاء والارتكابات ليس إلا لكثافتنا. فلولا هذه الكثافة، لما عرض لنا الأمراض، والأوجاع، ولم يصدر منا ما يقبح في العقول والأوضاع. ألا ترى: أنه لا مرض في عالم الآخرة، ولا شيء مما يتعلق بالكثافة، ولكن معرفة الله تعالى لا تحصل لو لم تكن تلك الكثافة، فهي مدار الترقي والتنزل. ولذلك لا يكون للملائكة ترقّ وتدل، فهم على خلقتهم وجبلتهم الأصلية.
٤٨ - ثم ذكر محاسن زوجاتهم، ليكون في ذلك تتميم لبيان ما آتاهم ربهم من النعم. فقال: ﴿وَعِنْدَهُمْ﴾؛ أي: عند المخلصين ﴿قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾؛ أي: حور قصرن أبصارهن على أزواجهن، لا يمددن طرفًا إلى غيرهم، ولا يبغين بهم بدلًا لحسنهم عندهنَّ ولعفتهنَّ. ﴿عِينٌ﴾ جمع عيناء بمعنى واسعة الأعين. وهو صفة بعد صفة لموصول، ترك ذكره للعلم به؛ أي: حور قاصرات الطرف حسان الأعين وعظامها واسعات العيون في جمال.
٤٩ - ثم زاد بيانًا في وصف جمالهن بما شبههن به، فقال: ﴿كَأَنَّهُنَّ﴾؛ أي: تلك القاصرات ﴿بَيْضٌ﴾ بفتح الباء وسكون الياء، جمع بيضة، سمي البيض لبياضه والمراد به هنا: بيض النعام. ﴿مَكْنُونٌ﴾؛ أي: مصون مستور تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار، فيكون لونها أبيض في صفرة؛ أي: لم تنله الأيدي، فإن ما مسته الأيدي يكون متدنسا ويقال: هذا من أحسن ألوان النساء. وهو أن تكون المرأة بيضاء مشوبة بصفرة، والعرب تشبه المرأة ببيض النعامة، وتسميهن بيضات الخدور. وهذا عند العرب، وإلا فأحسنها عند العجم والروم الأبيض المشرب