به من النعيم المقيم، ثم ذكر سرورهم وحبورهم في المآكل، والمشارب، وجميل المساكن، والأزواج الحسان.. بيّن هنا أنهم لخلوّ بالهم من المشاغل وطيب نفوسهم، يسمر بعضهم مع بعض، ويتحادثون فيما كانوا فيه في الدنيا مع أخلائهم، من شتى الشؤون مع اختلاف الأهواء، حتى ليقص بعضهم على بعض أن خليله كاد يوقعه في الهلاك، لولا لطف ربه به، وقد كان مآله أن صار في سواء الجحيم، ثم ذكر نعمة ربه عليه، بسبب ما كان يدين به في الدنيا.
قوله تعالى: ﴿أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما وصف (١) ثواب أهل الجنة، وذكر ما يتمتعون به من مآكل، ووصف الجنة، ورغّب فيها بقوله: ﴿لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١)﴾ أتبع ذلك بذكر جزاء أهل النار، وما يلاقون فيها من العذاب اللازب، الذي لا يجدون عنه محيصا، وهو عذاب في مآكلهم ومشاربهم وأماكنهم، جزاء ما دسوا به أنفسهم من سيء الأعمال، وما قلدوا فيه آباءهم بلا حجة ولا برهان، من الكفر بالله. وعبادة الأصنام والأوثان.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن المشركين يهرعون على آثار آبائهم الأولين، دون نظر ولا تدبر.. أردفه ما يوجب التسلية لرسوله - ﷺ -، على كفرهم وتكذيبهم، بأن كثيرا من الأمم قبلهم، قد أرسل إليهم الرسل فكذبوا بهم، وكانت عاقبتهم الدمار والهلاك، ونجّى الله المؤمنين ونصرهم، فليكن لك فيهم أسوة، ولا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن عليك إلا البلاغ.
التفسير وأوجه القراءة
٥٠ - قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠)﴾ معطوف (٢) على ﴿يُطافُ﴾؛ أي: يطاف على عباد الله المخلصين في الجنة بشراب، فيشربون فيتحدثون على الشراب، كما هو عادة الشربة في الدنيا، فيقبل بعضهم على بعض حال كونهم
(٢) روح البيان.