يتساءلون عن الفضائل، والمعارف، وعما جرى عليهم ولهم في الدنيا. فالتعبير عنهم بصيغة الماضي للتأكيد، والدلالة على تحقق الوقوع حتمًا. وفي الآية، إشارة إلى أن أهل الجنة، هم الذين كانوا ممن لم يقبلوا على الله بالكلية، وإن كانوا مؤمنين موحدين، وإلا كانوا في مقعد صدق مع المقربين. ولا تكرار في هذه والجملة مع ما سبق من نظيرها؛ لأن تلك في بيان حال الكفرة. وهذه في بيان حال أصحاب الجنة.
والمعنى (١): أي يطاف عليهم بكأس من معين، فيشربون ويتحادثون على الشراب، وما ألذ الحديث لدى الأخلاء، إذ ذاك كما أفصح عن ذلك شاعرهم:

وَمَا بَقيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلّا مُحَادثةُ الْكِرام عَلَى الشَّرَابِ
وَلَثمُكَ وَجنَتَي قَمَرٍ مُنِيرٍ يَجُولُ بِوَجْهِهِ مَاءَ الشَّبَابِ
والحديث ذو شجون، فهم يتحادثون في شتى الفضائل والمعارف، وفيما سلف لهم من شؤون الدنيا، وأحلى تذكرًا، ما فات حين رفاهية الحال، وفراغ البال واطمئنان النفس وخلوها من المخاوف العاجلة والآجلة.
٥١ - ثم فصّل هذا التساؤل وبيّنه، فقال:
﴿قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من العباد المخلصين في تضاعيف محاوراتهم، وأثناء مكالماتهم ﴿إِنِّي كانَ لِي﴾ في الدنيا ﴿قَرِينٌ﴾؛ أي: مصاحب وجليس، كافر بالبعث، منكر له،
٥٢ - كما يدل عليه قوله: ﴿يَقُولُ﴾ لي على طريقة التوبيخ بما كنت عليه من الإيمان والتصديق بالبعث ﴿أَإِنَّكَ﴾ أيها المؤمن ﴿لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾؛ أي: لمن المعتقدين بالبعث والمقرين الجزاء. وهذا (٢) الاستفهام من القرين، لتوبيخ ذلك المؤمن، وتبكيته بإيمانه، وتصديقه بما وعد الله به من البعث، وكان هذا القول منه في الدنيا.
٥٣ - ثم ذكر ما يدل على الاستبعاد للبعث عنده، وفي زعمه. فقال: ﴿أَ﴾ ندان ونجازى ﴿إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)﴾؛ أي: هل نحن مجزيون
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon