في الدنيا، يوبخني على التصديق بالبعث والقيامة، ويستنكره أشد الاستنكار، ويقول متعجبًا: أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا، أئنا لمحاسبون، بعد ذلك على أعمالنا وما قدمته أيدينا، ألا إن ذلك لا يدخل في باب الإمكان، ولا يقبله عاقل فأجدر بمن يصدق بمثل هذا أن يعد من البله والمجانين الذين لا ينبغي مخاطبتهم ولا الدخول معهم في باب الجدل والخصام. فهم ساقطون من درجة الاعتبار لدى العقلاء والمنصفين..
٥٥ - وبعد أن ذكر مقالته لأهل الجنة، أراد أن يؤكد لهم صدق ما قال، ويريهم ما آل إليه أمره من دخول النار فـ ﴿قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾؛ أي: قال لجلسائه من أهل الجنة ليزيدهم سرورًا على أن عصمهم الله تعالى من مثل حاله، ووفقّهم إلى العمل بما أرشد إليه أنبياءه، هل تودون أن تروا عاقبة ذلك القرين، وكيف خذله الله تعالى، وأوقعه في الهلكة؟.
واعلم: أنه لا ينبغي لنا أن نخوض في بيان كيفية الاطلاع، إذ ذاك مع شاسع المسافات واختلاف مراتب أهل الجنة وأهل النار، فإن ذلك من أمور الغيب، التي يجب أن نؤمن بها دون بحث في شأنها، ولا نقص ولا زيادة فيها.
٥٦ - فاطلع ذلك المؤمن إلى أهل النار، فرأى قرينه في وسطها، يتلظى بحرها وشديد لهبها، ﴿قالَ﴾ ذلك القائل المؤمن، مخاطبًا لقرينه، متشمتًا به حين رآه على صورة قبيحة، وقال خليل العصري: رآه تبدلت حالته، فلولا ما عرّفه الله به، لم يعرفه، فقال له عند ذلك: ﴿تَاللَّهِ﴾؛ أي: أقسمت لك بالله المنتقم ﴿إِنْ﴾؛ أي: إن الشأن ﴿كِدْتَ﴾؛ أي: قاربت ﴿لَتُرْدِينِ﴾؛ أي: لتهلكني بالإغواء. والردى: الهلاك، والإرداء: الإهلاك، أصله: ترديني بياء المتكلم، فحذفت اكتفاء بالكسرة، كما سيأتي؛ أي: إن الشأن، قاربت لتهلكني بدعائك إياي، إلى إنكار البعث والقيامة، وقرىء (١): ﴿لتغوين﴾؛ أي: لتضلني عن الدين،
٥٧ - ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ علي بهدايتي إلى الحق، وعصمتي من الباطل ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾؛ أي: من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك، وفي «التأويلات