فيما روي عن ابن عباس، كما سبق: أنه لما أسلم (١) عمر فرح به المسلمون فرحا شديدا، وشق ذلك على قريش، فاجتمع خمسة وعشرون نفرًا من صناديدهم، ومشوا إلى أبي طالب، وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، فجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر أبو طالب رسول الله - ﷺ -، وقال: يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال، فلا تمل كل الميل على قومك، فقال - ﷺ -: ماذا يسألونني؟ قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا، وندعك وإلهك، فقال - ﷺ -: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أتعطونني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟. قالوا: نعم. فقال: قولوا: لا إله إلا الله فقاموا وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ كيف يكفينا إلها واحد في حوائجنا كما يقول محمد - ﷺ -؟. إن هذا لشيء عجاب. وانطلق الملأ، والرؤساء. منهم: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث عن مجلس أبي طالب.
﴿أَنِ﴾ مفسرة للمقول المدلول عليه بالانطلاق؛ لأن الانطلاق عن مجلس التقاول لا يخلو عن القول؛ أي: وانطلق الملأ منهم، حالة كونهم يقول بعضهم لبعض على وجه النصيحة: ﴿امْشُوا﴾؛ أي: سيروا على طريقتكم، وامضوا. وليس المراد بالمشي: المتعارف، بل الاستمرار على الشيء، اه كرخي. فلا فائدة في مكالمة هذا الرجل. وحكى المهدوي: أن قائلها عقبة بن أبي معيط. وقال الزمخشري: ويجوز أنهم قالوا: امشوا؛ أي: اكثروا، واجتمعوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها، ومنه: الماشية للتفاؤل، انتهى.
قلت: وهذا بعيد من السياق. وقرأ ابن أبي عبلة بحذف ﴿أَنِ﴾ من قوله: ﴿أَنِ امْشُوا﴾؛ أي: قال بعضهم لبعض: اذهبوا. ﴿وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ﴾؛ أي: واثبتوا على عبادة آلهتكم، متحملين لما تسمعونه في حقها من القدح.
وفي «التأويلات النجمية»: يشير إلى أن الكفار إذا تراضوا فيما بينهم بالصبر