اثبتوا على عبادتها متحملين القدح فيها والغض من شأنها والاستهزاء بأمرها، ثم عللوا الأمر بالصبر، بما شاهدوا من تصلبه - ﷺ -، فقالوا: ﴿إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ﴾؛ أي: إن هذا لأمر عظيم، يريد محمد - ﷺ - إمضاءه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يقال من طرف اللسان، أو يرجى فيه المسامحة بشفاعة إنسان، فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم، واصبروا على عبادة آلهتكم.
٧ - ثم ذكروا أيضًا ما ظنوا أن فيه إبطالًا لدعواه، فقالوا:
٢ - ﴿ما سَمِعْنا بِهذا﴾ الذي يدعونا إليه محمد - ﷺ - من التوحيد ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ وهي ملة النصارى، فإنهم يقولون بالتثليث، ويزعمون أنه الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام، وحاشاه وإنما خصوا النصرانية؛ لأنها آخر الأديان المعروفة لديهم من أديان أهل الكتاب، وقوله: ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ ظرف لغو لـ ﴿سَمِعْنا﴾.
وقيل المعنى: ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمد - ﷺ -، من التوحيد في الملة الآخرة؛ أي: في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، وهي ملة قريش ودينهم الذي هم عليه. فإنها متأخرة عما تقدم عليها من الأديان والملل. وفيه إشارة إلى ركون الجهال إلى التقليد والعادة، وما وجدوا عليه أسلافهم من الضلال وأخطاء طريق العبادة. والملة كالدين اسم لما شرع الله تعالى لعباده، على لسان أنبيائه، ليتوصلوا به إلى ثواب الله. فإطلاق كل منهما على طريقة المشركين، مجاز مبني على التشبيه، كما سيأتي.
ثم أكدوا هذا الإنكار بقولهم: ﴿إِنْ﴾ نافية بمعنى: ما أي: ما ﴿هذا﴾ الذي يقوله محمد - ﷺ - من التوحيد ﴿إِلَّا اخْتِلاقٌ﴾؛ أي: كذب اختلقه من عند نفسه لا حقيقة له، وليس له مستند من دين سماوي، ولا من عقل فيما يزعمون.
٨ - ثم أخذوا ينكرون اختصاص محمد - ﷺ - بالوحي، وهو مثلهم، أو أدون منهم في الشرف والرياسة فيما يزعمون، فقالوا:
٣ - ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ﴾؛ أي: على محمد - ﷺ - ﴿الذِّكْرُ﴾؛ أي: القرآن، والوحي ﴿مِنْ بَيْنِنا﴾؛ أي: دوننا، والاستفهام فيه للإنكار، والاستبعاد؛ أي: كيف يكون