ذلك ونحن رؤساء الناس، وأشرافهم، وأكبرهم سنًا، وأكثرهم أموالًا وأعوانًا، وأحقاء بكل منصب شريف؟. ومرادهم: إنكار كون القرآن ذكرًا، منزلًا من الله تعالى، وأمثال هذه المقالات الباطلة، دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد، على اختصاصه - ﷺ - بشرف النبوة من بينهم، وحرمانهم منه، وقصر النظر على متاع الدنيا، وغلطوا في القصر، والقياس.
أما الأول: فلأن الشرف الحقيقي، إنما هو بالفضائل النفسانية دون الخارجية.
وأما الثاني: فلأن قياس نفسه - ﷺ - بأنفسهم فاسد. إذ هو روح الأرواح، وسيد الخليقة، فأنى يكون هو مثلهم؟. وأما الصورة الإنسانية فميراث عام من آدم عليه السلام، لا تفاوت فيما بين شخص وشخص، نعم، وجهه - ﷺ - كان يلوح منه أنوار الجمال، بحيث لم يوجد مثله فيما بين الرجال.
فإن قلت: لم قال هنا: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ بلفظ ﴿أَأُنْزِلَ﴾؟ وقال: في سورة القمر: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ﴾ بلفظ ﴿أُلْقِيَ﴾؟. فما الفرق بين الموضعين؟
قلت: فما هنا حكاية عن كفار قريش، فناسب التعبير بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ لوقوعه إنكارًا لما قرأه النبي - ﷺ - عليهم، من قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾. وما في القمر حكاية عن قوم صالح، وكانت الأنبياء تلقي إليهم صحفًا مكتوبة، فناسب التعبير - ﴿أُلْقِيَ﴾. وقدم الجار والمجرور على الذكر هنا، موافقة لما قرأه النبي - ﷺ - على المنكرين، وعكس في القمر جريا على الأصل، من تقديم المفعول بلا واسطة على المفعول بواسطة، اهـ من «فتح الرحمن».
والمعنى (١): أي إنه من البعيد أن يختص محمد - ﷺ -، من بيننا، بإنزال القرآن عليه، وفينا ذو الجاه والشرف والرياسة والكياسة. كما حكى الله عنهم أنهم قالوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾. ثم نعى عليهم