١٠ - ثم ارتقى إلى ما هو أشد في الإنكار، فأمرهم أمر تهكم بارتقاء الأسباب. فقال: ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما﴾؛ أي: بل ألهم ملك هذه الأشياء، حتى يعطوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ويعترضوا على إعطاء الله سبحانه ما شاء لمن شاء. وقوله: ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ﴾ جواب شرط محذوف؛ أي: إن كان لهم ملك ذلك فليصعدوا في الأسباب، والطرق التي توصلهم إلى السماء، أو إلى العرش، حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع، ويدبروا أمر العوالم بما يشتهون، أو فليصعدوا ويمنعوا الملائكة من نزولهم بالوحي على محمد - ﷺ -، والأسباب: أبواب السموات التي تنزل الملائكة منها، قاله مجاهد، وقتادة. ومنه: قول زهير:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ | وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بُسُلَّمِ |
والمعنى: أي بل ألهم ملك هذه الأجرام العلوية، والأجرام السفلية حتى يتكلموا في الشؤون الغيبية، ويفكروا في التدابير الإلهية التي يستأثر بها رب العزة والكبرياء، فإن كان الأمر كما يزعمون، فليصعدوا في المعارج والمناهج، التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه، ويدبروا أمر العالم، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون، حتى يظن صدق دعواهم، إذ لا سبيل إلى التصرف فيه إلا بذلك. وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه.
والخلاصة (١): أنه ليس لهم شيء من ذلك، فلا سبيل لهم إلى توزيع رحمة الله تعالى، بحسب ما يريدون، وإعطاء النبوة لمن يشاؤون. فذلك من شؤونه تعالى، فهو الذي يفضل من يشاء من عباده على من يشاء.
١١ - ثم وعد سبحانه، نبيه بالنصر والغلبة عليهم، فقال: ﴿جُنْدٌ﴾ هو جمع معد للحرب ﴿ما﴾ مزيدة للتقليل والتحقير، نحو: أكلت شيئًا ما ﴿هُنالِكَ﴾ مركب من
(١) المراغي.