على بعض البلاد، ويُملكه عليها، وكانت النبوة قبل داود في سبطه، والمُلك في سبط آخر، فأعطاهما الله تعالى داود عليه السلام، فكان يدبر أمر العباد بأمره تعالى، وفيه دليل بيّن على أن حاله عليه السلام، بعد التوبة، كما كان قبلها لم يتغير قط، بل زادت اصطفائيته كما قال في حق آدم عليه السلام: «ثم اجتباه ربه، فتاب عليه وهدى».
والمعنى (١): أي يا داود إنا استخلفناك في الأرض، وجعلناك نافذ الحكم بين الرعية، لك الملك والسلطان، وعليهم السمع والطاعة، لا يخالفون لك أمرًا، ولا يقيمون في وجهك عصا.
ثم ذكر ما يستتبع ذلك، فقال: ﴿فَاحْكُمْ﴾؛ أي: فافصل الخصومة الواقعة ﴿بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكم العدل المنزل من عندي، والذي شرعته لعبادي لما فيه من المصلحة لهم في الدنيا والآخرة، وبه يكون الحاكم عادلًا لا جائرًا؛ لأن الأحكام (٢) إذا كانت مطابقة للشريعة الحقّية الإلهية، انتظمت مصالح العالم، واتسعت أبواب الخيرات على أحسن الوجوه، أما إذا كانت أحكام السلطان القاهر على وفق هواه، ولطلب مصالح دنياه عظم ضرره على الخلق، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم، ووقوع الهرج والمرج في الخلق، وذلك يُفضي إلى هلاك الملك.
ثم أكد ما سلف بالنهي عن ضده، فقال: ﴿وَلا تَتَّبِعِ﴾ يا داود ﴿الْهَوى﴾؛ أي: ما تهواه النفس، وتشتهيه في الحكومات وغيرها من أمور الدين والدنيا، قال بعضهم: وهذا يؤيد ما قيل: إن ذنب داود الهم الذي هم به حين نظر إلى امرأة أوريا، وهو أن يجعلها تحت نكاحه، أو ما قيل: إن ذنبه المبادرة إلى تصديق المدعي، وتظليم الآخر قبل مسألته. وفي هذا إرشاد لما يقتضيه منصب النبوة، وتنبيه لمن هو دونه لسلوك هذا الطريق القويم.
ثم بين سوء عاقبة ذلك، فقال: ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بالنصب على أنه
(٢) المراح.