حذف لدلالة الحال عليه. ﴿فِي ما﴾؛ أي: في الدين الذي ﴿هُمْ﴾؛ أي: الفريقان ﴿فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بالتوحيد والإشراك، وادعى كل فريق صحة ما انتحله وأخذه، وحكمه تعالى في ذلك، إدخال الموحدين الجنة، والمشركين النار، فالضمير للفريقين. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لا يَهْدِي﴾؛ أي: لا يوفق الاهتداء إلى الحق الذي هو طريق النجاة من المكروه، والفوز بالمطلوب ﴿مَنْ هُوَ كاذِبٌ﴾؛ أي: راسخ في الكذب ﴿كَفَّارٌ﴾؛ أي: مبالغ في الكفر، فإنهما فاقدان للبصيرة غير قابلين للاهتداء، لتغييرهما الفطرة الأصلية، بالتمرن في الكفر والضلالة، قال في «الوسيط»: هذا فيمن سبق عليه القضاء، بحرمان الهداية، فلا يهتدي إلى الصدق والإيمان البتة، وكذبهم قولهم في بعض أوليائهم: بنات الله وولده، وقولهم: إن الآلهة تشفع لهم، وتقربهم إلى الله، وكفرهم عبادتهم تلك الأولياء، وكفرانهم النعمة بنسيان المنعم الحقيقي.
وقرأ أنس بن مالك، والجحدري، والحسن، والأعرج، وابن يعمر ﴿مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ بصيغة فعال فيهما. وقرأ زيد بن علي: ﴿من هو كذوب كفور﴾ بصيغة فعول فيهما.
وحاصل معنى الآية: أي والذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا عند الله منزلة، ويشفعوا لنا عنده في حاجتنا، ومن حديث عبادتهم للأصنام: أنهم جعلوا تماثيل الكواكب، والملائكة والأنبياء، والصالحين الذين مضوا، وعبدوها باعتبار أنها رمز إليها، وقالوا: إن الإله الأعظم، أجلّ من أن يعبده البشر مباشرة، فنحن نعبد هذه الآلهة، وهي تعبد الإله الأعظم، وهذه شبهة تمسك بها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءت الرسل مفندة لها، ماحيةً لها من الأذهان العالقة بها، موجهة العقول إلى إفراد الله وحده بالعبادة، قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقال: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾.
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خالقكم، ومن خلق