السموات والأرض، وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله. فيقال لهم: فلم تعبدونهم؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده، فرد الله عليهم بقوله في سورة الأحقاف: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾. ثم هددهم، وبيّن لهم عاقبة ما يفعلون، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، وبين خصومهم، وهم المحقون فيما اختلفوا فيه من التوحيد، والإشراك يوم القيامة، ويجازي كلا بما هو أهل له، فيدخل المخلصين الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار، ثم بيّن نتيجة الحكم، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ﴾؛ أي: إن الله لا يرشد إلى الحق، ولا يوفق له، من هو كاذب مفتر عليه، بزعمه أن له ولدًا، وأن له ندًا، وأن الأوثان تشفع لديه إلى غير ذلك، من الترهات والأباطيل، التي لا يقبلها العقل، ولا تجد لها مستندًا من نقل.
٤ - ثم فصل ما كذبوا فيه، فقال: ﴿لَوْ أَرادَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ ولا ينبغي له ذلك كما زعم المشركون، بأن الله اتخذ ولدًا ﴿لَاصْطَفى﴾؛ أي: لاتخذ واختار ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾؛ أي: من جنس مخلوقاته ﴿ما يَشاءُ﴾ ويريد، ولم يخص مريم، ولا عيسى، ولا عزيز بذلك، ولخلق جنسًا آخر، أعز وأكرم مما خلق، واتخذه ولدًا لكنه لا يفعله لامتناعه، والممتنع لا تتعلق به القدرة والإرادة، وإنما أمره اصطفاء من شاء من عباده وتقريبهم منه، وقد فعل ذلك بالملائكة وبعض الناس، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾. ولذا وضع الاصطفاء مكان الاتخاذ.
ثم نزه سبحانه نفسه، عن أن يكون له ولد، فقال: ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أي: تنزيهًا له عن ذلك، وهو مصدر من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد، والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، خبره ﴿اللَّهُ﴾ المتصف بالألوهية ﴿الْواحِدُ﴾ الذي لا ثاني له، والولد ثاني والده، وجنسه، وشبهه، وفي «بحر العلوم»: ﴿واحد﴾؛ أي: موجود جل عن التركيب والمماثلة، ذاتًا وصفةً. فلا يكون له ولد؛ لأنه يماثل الوالد في الذات