ثم بيّن كيفية هذا التسخير فقال: ﴿كُلٌّ﴾ منهما ﴿يَجْرِي﴾ ويسير في فلكه وبروجه ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى مدة معينة، هي منتهى دورته، في كل يوم، أو في كل شهر، أو إلى مدة انتهاء حركته، وانقطاع سيره بتصرم الدنيا، وهو يوم القيامة ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾، وفي الحديث: وكل بالشمس سبعة أملاك، يرمونها بالثلج، ولولا ذلك ما أصابت شيئًا إلا أحرقته.
ثم ذيل الكلام بالجملة الآتية، ترغيبًا في طلب المغفرة بالعبادة والإخلاص له، والتحذير من الكفر والمعاصي. فقال: ﴿أَلا﴾؛ أي: انتبهوا، واعلموا ﴿هُوَ﴾ سبحانه وحده ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على كل شيء، فيقدر على عقاب العصاة، والانتقام منهم. ﴿الْغَفَّارُ﴾؛ أي: المبالغ في المغفرة، ولذلك لا يعاجل بالعقوبة، وسلب ما في هذه الصنائع البديعة، من آثار الرحمة، وعموم المنفعة.
والمعنى: أي انتبهوا أيها العباد، واعلموا أن الله الذي فعل هذه الأفعال، وأنعم على خلقه بهذه النعم، هو القادر على الانتقام ممن عاداه، الغفار لذنوب عباده التائبين، ولا يخفى ما في هذا، من الدلالة على كمال قدرته تعالى، وكمال رحمته، فهو القهار ذو القوة المتين، الغفار لذنوب التائبين.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ﴿الْغَفَّارُ﴾ (١): هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح، التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، والغفر هو الستر:
الأول: ستره على عبده، أن جعل مقابح بدنه، التي تستقبحها الأعين، مستورة في باطنه، مغطاةً بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد، وظاهره في النظافة والقذارة، وفي القبح والجمال، فانظر ما الذي أظهره، وما الذي ستره.
والثاني: أن يجعل مستقر خواطره المذمومة، وإرادته القبيحة سر قلبه، حتى لا يطّلع أحد على سر قلبه، ولو انكشف للخلق، ما يخطر بباله في مجاري وسواسه، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة، وسوء الظن بالناس

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon