تخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، ثم يجازى المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاحذروا أن تلقوا ربكم، وقد عملتم في الدنيا ما لا يرضاه، فتهلكوا.
ثم بيّن أن هذه المجازاة، ليست بالعسيرة عليه سبحانه، فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى، ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: بخطرات القلوب، فضلًا عن غيرها، وهذا تعليل للتنبئة؛ أي: مبالغ في العلم بمضمرات القلوب، فكيف بالأعمال الظاهرة؟ وأصله: عليم بمضمرات صاحبة الصدور، وهي القلب؛ أي: إنه تعالى محيي جميع أعمالكم حتى ما تضمره صدوركم، مما لا تدركه أعينكم، فكيف بما رأته العيون، وأدركته الأبصار؟ وفي الآية دليل على أن ضرر الكفر والطغيان يعود إلى نفس الكافر، كما أن نفع الشكر والإيمان يعود إلى نفس الشاكر، والله غني عن العالمين، كما في الأحاديث القدسية: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم - أي: على تقوى أتقى قلب رجل - ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم.. ما نقص ذلك من ملكي شيئًا»، وفي آخر الحديث: «فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». جعلنا الله وإياكم من عباده الصالحين، الصادقين المخلصين في الأقوال والأفعال والأحوال، دون الفاسقين الكاذبين المرائين، آمين يا من يقبل اليسير ويعطي الكثير.
٨ - ثم بيّن سبحانه شأن الكافر بالنسبة إلى ربه، فقال: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ﴾؛ أي: أصاب الإنسان، ووصل إليه ﴿ضُرٌّ﴾؛ أي: سوء حال أي ضر كان، من مرض أو فقر أو خوف ﴿دَعا رَبَّهُ﴾ في كشف ذلك الضر، حال كونه ﴿مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾؛ أي: راجعًا إليه تعالى، مستغيثًا به في دفع ما نزل به، تاركًا لما كان يدعون، ويستغيث به من ميت أو حي أو صنم أو غير ذلك، والإنابة إلى الله: الرجوع إليه بالتوبة، وإخلاص العمل له. والنوب: رجوع الشيء مرة بعد أخرى، وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ