المناسبة
لقد قدمنا لك بيان المناسبة بين أول هذه السورة وآخر سابقتها، وأما قوله تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآيات، فمناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) بين أن القرآن كتاب أنزله لهداية الناس، وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم، إذا هم عملوا بهديه.. ذكر أحوال من يجادل فيه لغرض إبطاله، وإخفاء نوره، ثم أرشد رسوله أن لا يغتر بأحوال أولئك المجادلين، وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم، يتصرفون في البلاد للتجارة لسعة الرزق، والتمتع بزخرف الدنيا، فإنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية، ممن كذبوا رسلهم، فحل بهم البوار في الدنيا، وسينزل بهم النكال في الآخرة، في جهنم وبئس القرار.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أبان ما أظهره المشركون للمؤمنين من العداوة ومجادلتهم للرسل بالباطل؛ لإطفاء نور دعوتهم.. أردف ذلك ببيان أن أشرف المخلوقات، وهم الملائكة الذين يحملون العرش، والحافون حول العرش، يحبون المؤمنين، ويطلبون لهم ولآبائهم وأزواجهم وذريّاتهم المغفرة من ربهم، فلا تبال أيها الرسول بهؤلاء المشركين، ولا تقم لهم وزنًا، وكفاك نصرة حملة العرش والحافين حوله.
وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها (٢): أنه تعالى لما ذكر جدال الكفار في آيات الله وعصيانهم.. ذكر طاعة هؤلاء المصطفين من خلقه، وهم حملة العرش ومن حوله، وهم الحافون به من الملائكة. انتهى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف أحوال المشركين المجادلين في آيات الله.. أردف ذلك ببيان أنهم يوم القيامة يعترفون بذنوبهم، وباستحقاقهم ما سيحل بهم من النكال والوبال، ويسألون الرجوع

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon