﴿إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بها، وأما الذين آمنوا.. فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها، فضلًا عن الطعن فيها، ولما حكم سبحانه وتعالى على المجادلين في آيات الله بالكفر.. نهى رسوله - ﷺ - عن أن يغتر بشيء من حظوظهم الدنيوية، فقال: ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ﴾ يا محمد ﴿تَقَلُّبُهُمْ﴾؛ أي: تنقلهم ﴿فِي الْبِلَادِ﴾ للتجارات النافقة، والمكاسب المربحة، سالمين غانمين بمراداتهم، فإنهم يمهلون ولا يهلون، و ﴿الفاء﴾: في قوله: ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ﴾: واقعة في جواب شرط محذوف، والغرة: غفلة في اليقظة، والتقلب: التنقل في البلاد والتصرف فيها بالتجارة.
والمعنى: فإذا علمت يا محمد أنهم محكوم عليهم بالكفر.. فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم، وتقلبهم في بلاد الشام واليمن للتجارات المربحة، وهي رحلة الشتاء والصيف.
وقرأ الجمهور: ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ﴾ بالفك، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير: ﴿فلا يغرك﴾ بالإدغام مفتوح الراء، وهي لغة تميم.
ومعنى الآية: أي ما يخاصم في القرآن بالطعن فيه وتكذيبه، كقولهم مرة: أنه شعر، وأخرى: أنه سحر، وثالثة: أنه أساطير الأولين، إلى أشباه ذلك من سخيف المقال، إلا الذين جحدوا به وأعرضوا عن الحق مع ظهوره، وهذا النوع من الجدل هو المذموم، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: "لا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر". أما الجدل لتقرير الحق، وإيضاح الملتبس، وكشف المعضل، واستنباط المعاني، ورد أهل الزيغ بها، ورفع اللبس، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن.. فهو وظيفة الأنبياء، ومنه قوله تعالى عن قوم نوح لنوح ﴿يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - قال: هاجرت إلى رسول الله - ﷺ - يومًا، فسمعت أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج يعرف في وجهه الغضب فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". رواه مسلم.
وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما علي ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية. وقوله: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾.
ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر.. نهى رسوله - ﷺ - أن


الصفحة التالية
Icon