على قلب بشر، ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئه، ومن ثم ركبوا رؤوسهم، وعاثوا في الأرض فسادًا، واجترحوا السيئات دون خوف الرقيب الحسيب.
٦٠ - ثمّ لما بيّن سبحانه أن قيام الساعة حق لا شك فيه ولا شبهة.. أرشد عباده إلى ما هو الوسيلة إلى السعادة في دار الخلود، فأمر رسوله - ﷺ - أن يحكي عنه ما أمره بإبلاغه، وهو قوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ﴾ أيها الناس ﴿ادْعُونِي﴾؛ أي: وحّدوني واعبدوني ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾؛ أي: أثبكم بقرينة قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾؛ أي: يتعظمون عن طاعتي أو توحيدي ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ﴾ يوم القيامة حال كونهم ﴿دَاخِرِينَ﴾؛ أي: صاغرين ذليلين، ﴿وإن﴾: فسر الدعاء بالسؤال بجلب النفع، ودفع الضر كان الاستبكار الصارف عنه منزّلًا منزلة الاستكبار عن العبادة، فأقيم الثاني مقام الأول للمبالغة، أو المراد بالعبادة: الدعاء، فإنه من أفضل أبوابها، فأطلق العام على الخاص، ففيه مجاز مرسل، والأول (١) أولى؛ لأنّ الدعاء في أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة.
قلت: بل الثاني أولى؛ لأن معنى الدعاء لغةً وشرعًا هو الطلب، فإن استعمل في غير ذلك.. فهو مجاز.
وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول على المنبر: "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)﴾، أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من لم يسأل الله.. يغضب عليه". أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب.
وعن أنس بن مالك عن النبي - ﷺ - قال: "الدعاء مخ العبادة" أخرجه الترمذي.
وعنه عن النبي - ﷺ - قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب.
فإن قلت (٢): كيف قال سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وقد يدعو الإنسان

(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon