لغيره، وهو الذي جعل الليل للسكون والاستراحة من الحركة، والتردّد في طلب المعاش، والحصول على ما يفي بحاجات الحياة، وجعل النهار مضيئًا بشمسه. ذات البهجة والرواء، لتتصرفوا فيه بالأسفار، وجوب الأقطار، والتمكن من مزاولة الصناعات، ومختلف التجارات، وصنوف الزراعات والحراثات.
ثمّ ذكر نتيجة لما تقدم فقال: ﴿إِنَّ اللهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَذُو فَضْلٍ﴾ عظيم، وإحسان قديم ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ بخلق الليل والنهار لا يوازيه فضل، ولا يدانيه طول، فهو المتفضل عليهم بالنعم التي لا تحصى، ولا يمكن أن تستقصى.
ثمّ بيّن أن كثيرًا من عباده جحدوا هذه النعم، واستكبروا عن عبادة المنعم، فقال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم، ولا يعترفون بها، إما لجحودهم وكفرهم بها، كما هو شأن الكفّار، وإما لإهمالهم النظر، وغفلتهم عمّا يجب من شكر المنعم، كما هو حال الجاهلين، وتكرير ﴿النَّاسِ﴾ (١)؛ لتنصيص تخصيص الكفران بهم، بإيقاعه على صريح اسمهم الظاهر، الموضوع موضع الضمير الدال على أنّ ذلك كان شأن الإنسان وخاصته في الغالب.
أي: لا يشكرون فضل الله وإحسانه، لجهلهم بالمنعم، وإغفالهم مواضع النعم؛ أي: رفعة شأنها، وعلوّ قدرها، وإذا فقدوا شيئًا منها.. يعرفون قدرها، مثل أن يتفق لبعض والعياذ بالله أن يحبسه بعض الظلمة في بئر عميق مظلم مدة مديدة، فإنه حينئذ يعرف قدر نعمة الهواء الصافي، وقدر نعمة الضوء.
ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾، وقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.
٦٢ - ثم بين كمال قدرته، المقتضية لوجوب توحيده، فقال: ﴿ذَلِكُمُ﴾ المتفرّد بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية ﴿الله﴾؛ أي: المعبود بالحق، المستحق منكم العبادة دون غيره ﴿رَبُّكُمْ﴾؛ أي: مالككم ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من المخلوقات، علويّها وسُفليّها ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى، أخبار مترادفة، تخصّص السابقة منها اللاحقة وتقرّرها. قال في "كشف

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon