الأسرار": ﴿كُلِّ﴾ هنا بمعنى البعض، وقيل: عام خصّ منه ما لا يدخل في الخلق.
وقرأ الجمهور: ﴿خَالِقُ﴾ بالرفع على أنه خبر بعد الخبر الأول عن المبتدأ، وقرأ زيد بن علي ﴿خالق﴾ بفتح القاف بنصبه على الاختصاص، ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾؛ أي: فكيف تنقلبون أيها المشركون عن توحيده، ومن أيّ وجه تصرفون عن عبادته خاصة إلى عبادة غيره، وقرأ طلحة في رواية ﴿يؤفكون﴾ بياء الغيبة، والجمهور: ﴿تُؤْفَكُونَ﴾ بتاء الخطاب، وقال الراغب: قوله: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾؛ أي: تصرفون من الحق في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، كما سيأتي.
ومعنى الآية: أي ذلكم الذي فعل كل هذا، وأنعم عليكم بهذه النعم هو الله الواحد الأحد، خالق جميع الأشياء، لا إله غيره، ولا ربّ سواه فكيف تنقلبون عن عبادته والإيمان به وحده، مع قيام البرهان الساطع، والدليل الواضح، وتعبدون غيره من الأصنام التي لا تخلق شيئًا، وهي مخلوقة منحوتة بأيديكم.
٦٣ - ثم ذكر أنّ هؤلاء ليسوا ببدع في الأمم قبلهم، بل قد سبقهم إلى هذا خلق كثير، فقال ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الإفك العجيب، الذي لا وجه له ولا مصحّح له أصلًا؛ أي: كما صرف قومك وهم قريش عن الحق، وحرموا من التحلي به مع قيام الدلائل ﴿يُؤْفَكُ﴾ ويصرف عنه ﴿الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾؛ أي: يصرف عنه كل جاحد قبلهم أو بعدهم بآياته أيّ آية كانت، لا إفكًا آخر له وجه ومصحح في الجملة؛ أي: كما ضل هؤلاء بعبادة غير الله.. ضل وأفك الذين من قبلهم فعبدوا غيره بلا دليل ولا برهان، بل للجهل والهوى.
٦٤ - وبعد أن ذكر من الدلائل تعاقب الليل والنهار، ذكر منها خلق الأرض والسماء، فقال: ﴿الله﴾ الذي يستحق منكم العبادة هو ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ وسير ﴿لَكُمُ﴾؛ أي: لمصالحكم وحوائجكم ﴿الْأَرْضَ قَرَارًا﴾؛ أي (١): مستقرًا. أي: موضع قرار ومكان ثبات وسكون، فإن القرار كما يجيء بمعنى الثبات والسكون،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon