ويجيء بمعنى ما قرّ فيه، وبمعنى المطمئن من الأرض. كما في "القاموس" قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ﴿قَرَارًا﴾؛ أي: منزلًا في حال الحياة وبعد الممات ﴿و﴾ جعل ﴿السَّمَاءَ بِنَاءً﴾ قبةً مبينةً ومظلةً مرفوعة فوقكم، فالبناء بمعنى المبني، ومنه أبنية العرب لمضاربهم، لأن السماء في نظر العين كقبة مضروبة على فضاء الأرض. وفي "التأويلات النجمية": خلق الأرض لكم استقلالا، ولغيركم طفيليًّا. وتبعًا، لتكون مقركم، والسماء أيضًا خلق لكم لتكون سقفكم، مستقلّين به، وغيركم تبع لكم فيه.
والمعنى (١): أي الله الذي جعل لكم الأرض مستقرًا تعيشون عليها، وتتصرّفون فيها، وتمشون في مناكبها، وجعل لكم السماء سقفًا محفوظًا مزيّنًا بنجوم، ينشأ عنها الليل والنهار، والظلام والضياء.
وبعد أن ذكر دلائل الآفاق والأكوان.. ذكر دلائل الأنفس فقال: ﴿وَصَوَّرَكُمْ﴾ في الأرحام ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ من صور الدوابّ، ويقال: أحكم صوركم، ويقال: ﴿وَصَوَّرَكُمْ﴾؛ أي: أحدث صورتكم على غير نظام واحد ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ ولم يخلق الله تعالى حيوانًا أحسن صورةً من الإنسان.
وهذا بيان لفضله المتعلق بأنفسهم، و ﴿الفاء﴾ (٢): في ﴿فَأَحْسَنَ﴾: تفسيرية، فإن "الإحسان عين التصوير، كما في قوله - ﷺ -: "إن الله أدّبني فأحسن تأديبي" فإن "الإحسان عين التأديب، فإن تأديب الله لمثله لا يكون إلا حسنًا بل أحسن.
والمعنى: وصوّركم أحسن تصوير، حيث خلقكم منتصبي القامة، بادي البشرة، متناسبي الأعضاء والتخطيطات، متهيِّئين لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: خلق ابن آدم قائمًا معتدلًا، يأكل ويتناول بيده، وغير ابن آدم يتناول بفيه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿صُوَرَكُمْ﴾ بضم الصاد وفتح الواو، وقرأ الأعمش وأبو رزين: بكسرها؛ فرارًا من الضمة قبل الواو استثقالًا، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها: شاذٌّ، وقالوا: قوة وقوى بكسر القاف على الشذوذ أيضًا، قال

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon