أي: في ضمن خلق أبيكم آدم من تراب؛ أي: خلق أباكم الأول - وهو آدم - من تراب وخلقه من تراب، يستلزم خلق ذريته منه. ﴿ثُمَّ﴾ خلقكم خلقًا تفصيليًا ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ أي: من منى، قال الراغب: النطفة: الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل؛ أي: ماء الصلب يوضع في الرحم. كما قال ابن سينا:

لَا تُكْثِرَنَّ مِنَ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ مَاءُ الحَيَاةِ يُصَبُّ فِيْ الأَرْحَامِ
والمعنى: خلق أصلكم آدم من تراب، ثم خلقكم من نطفة نسلًا بعد نسل، أو خلق كل واحد منكم من التراب، بمعنى أن كل إنسان مخلوق من المني، وهو من الدم، وهو من الأغذية الحيوانية والنباتية، والحيوانية لا بد أن تنتهي إلى النباتية، وإلا لزم أن يتسلسل الحيوانيات إلى غير النهاية، والنبات إنما يتولد من الماء والتراب، أو خلق قالبكم في بدء أمركم من الذرة الترابية، التي استخرجها من صلب آدم، ثم أودعها في قطرة نطفة بنيه.
﴿ثُمَّ﴾ خلقكم ﴿مِنْ عَلَقَةٍ﴾ وهي الدم الجامد، لأن المني يصير على هذا الشكل بعد أربعين يومًا في بطن الأم. ﴿ثُمَّ﴾ خلقكم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم ﴿يُخْرِجُكُمْ﴾ من بطون أمهاتكم حالة كونكم ﴿طِفْلًا﴾؛ أي: أطفالًا صغارًا، حال من الكاف في ﴿يُخْرِجُكُمْ﴾ ولما كانت الحال مفردة، وصاحبها جمعًا، وهذا لا يسوغ.. أولناها بالجمع ليحصل التطابق، وأفرده هنا؛ لكونه اسم جنس وضع موضع الجمع؛ أي: الأطفال، أو المعنى: ثم يخرج كل واحد منكم من رحم الأم حال كونه طفلًا، لتكبروا شيئًا فشيئًا. ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾؛ أي: كمالكم في القوة والعقل، قال في "القاموس": الأشد واحد، جاء علي بناء الجمع بمعنى القوة، وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين. وفي "كشف الأسرار": يقال: إذا بلغ الإنسان إحدى وعشرين سنة.. دخل في الأشد، وذلك حين اشتد عظامه، وقويت أعضاؤه ﴿ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا﴾؛ أي: تصيروا إلى حالة الشيخوخة، والشيخ: يقال لمن طعن في السنن، واستبانت فيه، أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره، أو إلى ثمانين. كما في "القاموس".
قال في "كشف الأسرار" يقال: إذا ظهر البياض بالإنسان.. فقد شاب. وإذا دخل في الهرم.. فقد شاخ. قال الشاعر:


الصفحة التالية
Icon