وفهمه ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ معانيه لكونه جاء بلغتهم، فهم أهل اللسان فيفهمونه بلا واسطة وغيرهم لا يفهمه إلا بواسطتهم،
٤ - حالة كونه ﴿بَشِيرًا﴾؛ أي: مبشرًا، وليائه بالجنة والنعيم المقيم، إن داموا على العمل بما فيه من أوامر ونواه ﴿وَنَذِيرًا﴾؛ أي: منذرًا مخوفًا لأعدائه بالعذاب الأليم، إن هم أصروا على التكذيب به، والجدل فيه بالباطل، وترك أوامره وفعل نواهيه، فهما صفتان أخريان لـ ﴿قُرْآنًا﴾ أو حالان من ﴿كِتَابٌ﴾ وقرأ (١) زيد بن علي: ﴿بشير ونذير﴾ برفعهما على أنهما صفتان لـ ﴿كِتَابٌ﴾ أو على أنهما خبران لمبتدأ محذوف.
ثم بين حال المشركين حين أنزل إليهم فقال: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ عن تدبره مع كونه على لغتهم، والضمير (٢) لأهل مكة أو العرب أو المشركين، دل عليه ما سيجيء من قوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: فأعرض المشركون عما اشتمل عليه من النذارة ﴿فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ ـه سماع تفكر وتأمل وقبول، حتى يفهموا جلالة قدره وجزالة معانيه فيؤمنوا به، وفي "التأويلات النجمية": فأعرض أكثرهم عن أداء حقه، فهم لا يسمعون بسمع القبول والانقياد، وفيه إشارة إلى أن الأقل هم أهل السماع، وإنما سمعوا بأن أزال الله تعالى بلطفه ثقل الآذان، فامتلأت الأذهان بمعاني القرآن.
والمعنى (٣): أي فاستكبر أكثر المشركين عن الإصغاء إليه، ولم يقبلوه ولم يطيعوا ما فيه من أوامر ونواه، إعراضًا عن الحق،
٥ - ثم صرحوا بنفرتهم منه وتباعدهم عنه، وذكروا لذلك ثلاثة أسباب، تعللًا واحتقارًا لدعوته:
١ - ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: المشركون لرسول الله - ﷺ - عند دعوته إياهم إلى الإيمان، وللعمل بما في القرآن ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾؛ أي: في أغطية متكاثفة مثل الكنانة التي فيها السهام ﴿مِمَّا تَدْعُونَا﴾ يا محمد ﴿إِلَيْهِ﴾؛ أي: في أغطية تمنعنا من فهم ما تدعونا وتورده علينا، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وحذف متعلق حرف الجر أيضًا، والأكنّة: جمع كنان كأسلحة جمع سلاح وهو الغطاء، قال مجاهد: الكنان للقلب: كالجنة للنبل، شبهوا (٤) قلوبهم بالشيء المحوي المحاط

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon