وهذا تلقين للجواب عما ذكره المشركون.
وقرأ الجمهور: ﴿قُلْ﴾ على صيغة الأمر، وقرأ ابن وثاب والأعمش: ﴿قال﴾ بصيغة الماضي، وقرأ الجمهور: ﴿يُوحَى﴾: بفتح الحاء مبنيًا للمفعول، وقرأ النخعي والأعمش: ﴿يوحي﴾ بكسرها مبنيًا للفاعل؛ أي: يوحي الله إلى.
والمعنى: أي إني لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسرًا، فإني بشر مثلكم، ولا امتياز لي عنكم إلا أني أوحي إلى التوحيد والأمر به، فعلي البلاغ وحده، فإن قبلتم رشدتم، وإن أبيتم هلكتم.
وقبل المعنى (١): أني لست من جنس مغاير لكم، من ملك وجن حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان، كما ينبىء عنه قولكم: ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ بل إنما أنا بشر وآدمي مثلكم، مأمور بما أمرتم به، حيث أخبرنا الله جميعًا بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم، فإن الخطاب في إلهكم محكي منتظم للكل، لا أنه خطاب منه - ﷺ - للكفرة، كما في قوله: ﴿مِثْلُكُمْ﴾، وقد أوحي إلى دونكم، فصرت بالوحي نبيًا، ووجب عليكم اتباعي ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾؛ أي: وجهوا استقامتكم وامتثالكم وطاعتكم إليه تعالى لا إلى غيره؛ أي: توجهوا إليه تعالى قلبًا وقالبًا، بالتوحيد وإخلاص العبادة، غير ذاهبين يمينًا وشمالًا (٢)، ولا ملتفتين إلى ما يسول لكم الشيطان، من اتخاذ الأولياء والشفعاء؛ أي: توجهوا بالكلية إلى سبيلة لا إلى غيره، وهذا من جملة المقول (٣)، و ﴿الفاء﴾: لترتيب ما بعدها على ما قبلها، من إيحاء الوحدانية، فإن ذلك موجب لاستقامتهم إليه تعالى بالتوحيد، والإخلاص في الأعمال، وعدي فعل الاستقامة بإلى لتضمنه معنى توجهوا، والاستقامة: الاستمرار على جهة واحدة، وطريقة مستقيمة.
﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ تعالى مما كنتم عليه من الشرك وسوء العقيدة والعمل، وقال الحسن في معنى الآية: إن الله سبحانه علم رسوله - ﷺ - كيف يتواضع بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾، ولهذا كان يعود المريض، ويشيع الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم قريظة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه

(١) روح البيان.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon