إكاف من ليف.
وفي الآية: إشارة إلى أن البشر كلهم متساوون في البشرية، مسدود دونهم باب المعرفة؛ أي: معرفة الله بالوحدانية بالآلات البشرية من العقل وغيره، وإنما فتح هذا الباب على قلوب الأنبياء بالوحي، وعلى قلوب المؤمنين بالتبليغ والإلهام.
وحاصل المعنى (١): أي قل أيها الرسول لقومك: ما أنا إلا بشر مثلكم في الجنس والصورة والهيئة، ولست بملك ولا جني، لا يمكنكم التلقي مني، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول، بل أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه الدلائل الكونية، وأيده النقل عن الأنبياء جميعًا من آدم، فمن بعده، فأخلصوا له العبادة، وسلوه العفو عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم، يتب عليكم ويغفر لكم.
ثم هدد المشركين وتوعدهم فقال: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ بالله تعالى غيره في العبادة والطاعة؛ أي: وهلاك وخسار كائن لمن أشرك بربه في ذاته وصفاته وأفعاله،
٧ - ثم وصفهم بقوله: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾؛ أي: يمنعونها ولا يخرجونها إلى المستحقين، ولم يواس البائس الفقير بشيء من ماله يدفع به عوزه، ويزيل خصاصته، وقال الحسن وقتادة: لا يقرون بوجوبها، وقال الضحاك ومقاتل: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة، وقيل المعنى لا يشهدون أن لا إله إلا الله، لأنها زكاة الأنفس وتطهيرها، وقال الفراء: كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد - ﷺ -، فنزلت فيهم هذه الآية، وقوله: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾: معطوف على ﴿لَا يُؤْتُونَ﴾ داخل (٢) معه في حيز الصلة، واختلافهما بالفعلية والاسمية؛ لما أن عدم إيتائها متجدد، والكفر أمر مستمر؛ أي: منكرون للآخرة بما فيها من الحساب والجزاء، جاحدون لها، والمجيء بضمير الفصل، لقصد الحصر، وكان يقال (٣): الزكاة قنطرة الإِسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها.. هلك، وإنما جعل منع الزكاة مقرونًا بالكفر بالآخرة؛ لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله.. فذاك أقوى دليل على استقامته وثباته، وصدق نيته، وصفاء طويته، وما خدع
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.