المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا بها لانت شكيمتهم وزالت عصبيتهم، وما ارتدت بنو حنيفة بعد رسول الله - ﷺ - إلا بمنعهم للزكاة، فعرضوا أنفسهم للحرب والطعن والضرب، إبقاءً على أموالهم، ولو ذهبت مهجهم وأرواحهم.
وقصارى ذلك: دمار وهلاك لمن أشرك بربه، ولم يطهر نفسه من دنس الرذائل، التي من أهمها البخل بالمال، ودفع غائلة الجوع عن المسكين والفقير، وإنكار البعث والجزاء، ونحو الآية: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾.
٨ - وبعد أن ذكر وعيد المشركين، أردفه وعد المؤمنين، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله سبحانه، وصدقوا بما جاء به محمد - ﷺ - ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بامتثال الأوامر، واجتنبوا السيئات بترك النواهي ﴿لَهُمْ﴾ عند ربهم في الآخرة ﴿أَجْرٌ﴾ وثواب ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾؛ أي: غير مقطوع أبدًا، ولا ممنوع عنهم، مِنْ مَنَنْتُ الحَبْلَ: إذا قَطعْتُه، وقيل: غير منقوص، من مَنَنْت حقه: إذا نَقَصْته، وقال مجاهد: غير محسوب عليهم، وقيل: غير ممنون عليهم على طريق الحذف والإيصال؛ أي: لا يمن به عليهم فيتكدر بالمنة؛ أي: بالامتنان عليهم؛ أي: عد النعمة عليهم، لأنه إنما يمن بالتفضل، فأما الأجر فحق أداؤه، والمنة في الأصل: النعمة الثقيلة التي لا يطلب معطيها أجرًا ممن أعطاها إليه، ثم استعملت بمعنى الامتنان؛ أي: عد النعمة على من أعطاها إليه، وقال السدي: نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة.. كتب لهم من الأجر مثل ما كانوا يعملون في الصحة، ونحو الآية قوله: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣)﴾، وقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
وفي الآية (١): إشارة إلى أن من آمن، ولم يعمل صالحًا.. لم يؤجر إلا ممنونًا؛ أي: ناقصًا، وهو أجر الإيمان، ونقصانه من ترك العمل الصالح، فيدخل النار ويخرج منها بأجر الإيمان ويدخل الجنة، ولكنه لا يصل إلى الدرجات العالية المنوطة بالأعمال البدنية، مثل: الصلاة والصوم والحج ونحوها.
٩ - ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ - أن يوبخهم ويقرعهم، فقال: ﴿أَئِنَّكُمْ﴾ أيها