﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾: مستأنفة غير معطوفة على ﴿خَلَقَ﴾ لوقوع الفصل بينهما بالأجنبي، والأول أولى لأن الجملة الفاصلة هي مقررة لمضمون ما قبلها، فكانت بمنزلة التأكيد، ومعنى ﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾: أنها مرتفعة عليها، لأنها من أجزاء الأرض، وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع، فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها.
وعبارة المراغي: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا﴾؛ أي (١): وجعل في الأرض جبالًا ثوابت مرتفعةً عليها، أسسها في الأرض وهي الطبقة الصوانية، وهذه الطبقة هي التي برزت منها الجبال، فالجبال أساسها بعيدة الغور، ضاربة في جميع الطبقات، واصلة إلى أول طبقة وهي الطبقة الصوانية، التي لولاها لم تكن الأرض أرضًا، ولم نستقر عليها، فأرضنا كرة من النار، غطيت بطبقة صوانية فوقها طبقات، ألطف منها تكون فيها الحيوان والنبات على مدى الزمان، والجبال نتوءات نتأت من تلك الطبقة، وارتفعت فوقها عشرات آلاف الكيلومترات، وصارت مخازن المياه والمعادن، وهداية للطرق، وحافظة للهواء والسحاب. انتهى.
﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾؛ أي: في الأرض؛ أي: أنزل البركة والخير فيها، بشق الأنهار وخلق الأشجار والثمار، وأصناف الحيوانات، وكل ما يحتاج إليه من الخيرات؛ أي: وجعلها مباركةً كثيرة الخيرات، بما خلق فيها من المنافع، فجعل جبالها مبدأ لجريان الأنهار، ومخازن للمعادن، كالذهب والفضة والحديد والنحاس ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا﴾؛ أي: وأوجد في الأرض ﴿أَقْوَاتَهَا﴾؛ أي: أقوات أهلها وأرزاقهم، من الأنواع المختلفة المناسبة لها على مقدار معين، تقتضيه الحكمة البالغة؛ أي: قدر لأهلها من الأقوات ما يناسب حال كل إقليم، من مطاعم وملابس ونبات، ليكون بعض الناس محتاجًا إلى بعض، فتروج المتاجر بينهم، وتنتقل المحصولات والمنتوجات من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر، وفي هذا عمار للأرض، وانتظام أمور العالم.
وأضاف (٢) الأقوات إلى الأرض من حيث هي فيها وعنها برزت. قاله السدي.

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon