وقُرِىء (١): ﴿وقسم فيها أقواتا﴾؛ أي (٢): قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم. وقيل: قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، وقيل: قدر البر لأهل قطر من الأرض، والتمر لأهل قطر آخر، والذرة لأهل قطر، والسمك لأهل قطر، وكذلك سائر الأقوات، وقيل: إن الزراعة أكثر الحرف بركةً، لأن الله تعالى وضع الأقوات في الأرض، قال تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾؛ أي: مع اليومين الأولين من أيام الآخرة (٣)، أو من أيام الدنيا، فخلق الأرض في يومين، وقدر الأقوات في يومين، وهما يوم الثلاثاء والأربعاء، فصارت أربعة أيام، رد الآخر على الأول في الذكر؛ أي: أن خلق الأرض وجعل الرواسي فيها في يومين، وإكثار خيراتها وتقدير أقواتها في يومين، فيكون ذلك في أربعة أيام. كما يقول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يومًا؛ أي: في تتمة خمسة عشر يومًا.
وقصارى ذلك: أن حصول جميع ما تقدم من خلق الأرض وخلق الجبال الرواسي فيها، وتقدير الأقوات في أربعة أيام، حالة كون تلك الأيام الأربعة ﴿سَوَاءً﴾؛ أي: مستويةً كاملة تامة بلا زيادة ولا نقصان.
وقرأ الجمهور: ﴿سَوَاءً﴾ بالنصب على الحال من ﴿أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ لتخصصه بالإضافة، أو من الأرض، أو من الضمائر الراجعة إليها، أو على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف هو صفة لـ ﴿الأَيَّامٍ﴾؛ أي: استوت تلك الأيام وتمت سواءً؛ أي: استواءً وتمامًا، وقرأ أبو جعفر؛ برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي سواء؛ أي: تلك الأربعة مستوية تامة، وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد: بخفضه، على أنه صفة لـ ﴿أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾؛ أي: في أربعة أيام مستوية تامة كاملة.
وقوله: ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾: متعلق بمحذوف، تقديره: هذا الحصر في الأربعة للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها، القائلين: في كم خلقت الأرض وما فيها؟ فالسؤال استفتائي، و ﴿اللام﴾: للبيان أو متعلق بقدر. قال في "بحر العلوم" وهذا هو الظاهر؛ أي: قدر فيها أقواتها لأجل السائلين؛ أي: لأجل الطالبين لها،
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.