المحتاجين إليها من المقتاتين، فإن أهل الأرض كلها طالبون للقوت، محتاجون إليه، فالسؤال استعطافي، واللام للأجل.
قال الفراء (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: وقدر فيها أقواتها سواءً كاملةً للمحتاجين في أربعة أيام، واختار هذا ابن جرير.
١١ - ولما انتهى من الكلام في الأرض.. أخذ يذكر السماء، فالترتيب في الذكر فحسب؛ أي: لما ذكر سبحانه خلق الأرض وما فيها.. ذكر كيفية خلقه للسموات، فقال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: وجه قصده وإرادته ﴿إِلَى﴾ خلق ﴿السَّمَاءِ﴾ وتكوينها، قال الرازي: هو من قولهم: استوى إلى مكان كذا: إذا توجه إليه توجهًا لا يلتفت معه إلى عمل آخر، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونظيره قولهم: استقام إليه، ومنه قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾.
والمعنى: ثم دعاه سبحانه داعي الحكمة البالغة، والقدرة الباهرة، والإرادة التامة إلى خلق السموات وسمكها بعد خلق الأرض وما فيها ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾؛ أي: والحال أن السماء أمر ظلماني مثل الدخان المرتفع من النار، الذي لا تماسك فيه؛ أي: مثل السحاب الغير المتماسك. و ﴿الواو﴾ (٢): للحال، والضمير للسماء، لأنها من المؤنثات السماعية، والدخان أجزاء أرضية لطيفة؛ أي: غير متماسكة، ترتفع في الهواء مع الحرارة. وفي "المفردات": الدخان: العثان المسْتَصْحِب لِلَهب، والبخار: أجزاء مائية رطبة ترتفع في الهواء مع الشعاعات الراجفة من سطوح المياه.
والمعنى: والحال أن السماء دخان؛ أي: أمر ظلماني يشبه الدخان، وهو المرتفع من النار وهو من قبيل التشبيه البليغ ولما كانت أول حدوثها مظلمة صحت تسميتها بالدخان تشبيهًا لها به، من حيث إنها أجزاء متفرقة غير متواصلة، عديمة النور كالدخان، فإنه ليس له صورة تحفظ تركيبه. كما في "حواشي ابن الشيخ". وقال بعضهم: ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾؛ أي: دخان مرتفع من الماء؛ يعني: السماء، بخار الماء كهيئة الدخان.

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon