والمعنى (١): فأتم خلقهن خلقًا إبداعيًا، وأتقن أمرهن في يومين سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات والأرض في ستة أيام، كما قال: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ على ما اقتضته الحكمة وحسن النظام.
وفي "فتح الرحمن": إن قلت (٢): الكلام هنا يدل على أن السموات والأرض وما بينهما خلقت في ثمانية أيام، وهو مخالف لما ذكره في سورة الفرقان وغيرها، أنها خلقت في ستة أيام.
قلت: يومًا خلق الأرض من جملة الأربعة بعدهما، والمعنى في تتمة أربعة أيام، وهي مع يومي خلق السموات ستة أيام، يوم الأحد والاثنين لخلق الأرض، ويوم الثلاثاء والأربعاء للجعل المذكور في الآية وما بعده، ويوم الخميس والجمعة لخلق السموات.
فإن قلت: السموات وما فيها أعظم من الأرض وما فيها بأضعاف، فما الحكمة في أنه تعالى خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام، والسموات وما فيها في يومين؟
قلت: لأن السموات وما فيها من عالم الغيب والملكوت والأمر، والأرض وما فيها من عالم الشهادة والملك والخلق، والأول أسرع من الثاني، أو أنه تعالى فعل ذلك في الثاني مع قدرته على فعله ذلك دفعةً واحدة؛ ليعرفنا أن الخلق على سبيل التدريج لنتأنى في أفعالنا، فخلق ذلك في أربعة أيام لمصالح وحكم اقتضت ذلك، ولهذا خلق العالم الأكبر في ستة أيام، والعالم الأصغر وهو الإنسان في ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل.
﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾: عطف على ﴿فَقَضَاهُنَّ﴾؛ أي: وخلق في كل سماء منهن أمرها؛ أي: مخلوقها وسكانها، والإيحاء: عبارة: عن التكوين، والخلق مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت؛ أي: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها وما فيها من الملائكة والبحار والبرد والثلوج وغيرها، مما لا يعلمه إلا الله سبحانه. قاله قتادة والسدي؛ قال الراغب: يقال للإبداع: أمر، وقد

(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon