حمل على ذلك في هذه الآية. اهـ.
أو المعنى (١): ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ﴾؛ أي: ألقى إلى أهل كل سماء أوامره وكلفهم بما يليق بهم من التكاليف، فمنهم قيام لا يقعدون إلى قيام الساعة، ومنهم سجود لا يرفعون رؤوسهم أبدًا إلى غير ذلك، والإيحاء حينئذ على معناه، ومطلق عن القيد المذكور، والآمر هو الله تعالى، والمأمور أهل كل سماء، وأضيف الأمر إلى نفس السماء؛ للملابسة، لأنه إذا كان مختصًا بالسماء.. فهو أيضًا بواسطة أهلها.
﴿وَزَيَّنَّا﴾ التفات إلى نون العظمة، لإبراز مزيد العناية بالأمر ﴿السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾؛ أي: القريبة إلى أهل الأرض ﴿بِمَصَابِيحَ﴾؛ أي: بكواكب تضيء في الليل كالمصابيح، فإنها ترى كلها متلألئة على السماء الدنيا، كأنها فيها، فالمراد بالمصابيح: جميع الكواكب النيرة التي خلقت في السموات من الثوابت والسيارات، وليس كلها في السماء الدنيا، وهي التي تدنو وتقرب من أهل الأرض، فإن كل واحد من السيارات السبع في فلك مستقل، والثوابت مركوزة في الفلك الثامن، المعبر عنه بالكرسي، إلا أن كونها مركوزة فيما فوق السماء الدنيا، لا ينافي كونها زينة لها؛ لأنَّا نرى جميع الكواكب كالسرج الموقدة فيها، وقيل: إن في كل سماء كواكب تضيء، وقيل: بل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا، وقوله: ﴿وَحِفْظًا﴾: مصدر مؤكد لفعل محذوف معطوف على ﴿زَيَّنَّا﴾؛ أي (٢): وحفظنا السماء الدنيا من الآفات ومن المسترقة ﴿حِفْظًا﴾، وهي الشياطين الذين يصعدون السماء لاستراق السمع، فيرمون بشهب صادرة من نار الكواكب، منفصلة عنها، ولا يرجمون بالكواكب أنفسها، لأنها قارة في الفلك على حالها، وما ذلك إلا كقبس يؤخذ من النار، والنار باقية بحالها، لا ينتقص منها شيء، والشهاب: شعلة نار ساقطة.
وقيل المعنى (٣): أي وحفظنا تلك المصابيح حفظًا من الاضطراب في سيرها، ومن اصطدام بعضها ببعض، وجعلناها تسير على نهج واحد، ما دام هذا النظام باقيًا حتى يأتي اليوم الموعود، فهناك تختل نظمها، كما قال سبحانه: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)﴾.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon