﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من خلق الأرض في يومين وما بعده إلى هنا ﴿تَقْدِيرُ﴾ وتدبير الإله القدير ﴿الْعَزِيزِ﴾ الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره ﴿الْعَلِيمِ﴾ بحركات مخلوقاته وسكناتها، سرها ونجواها، ظاهرها وباطنها.
١٣ - وقوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾: متصل بقوله: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ...﴾ إلخ؛ أي: فإن أعرض كفار قريش عن الإيمان بعد هذا البيان، وهو بيان خلق الأجرام العلوية والسفلية وما بينهما.. ﴿فَقُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿أَنْذَرْتُكُمْ﴾؛ أي: أنذركم وأخوفكم، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الإنذار المنبىء عن تحقق المنذر به؛ أي: أنذركم وأخوفكم ﴿صَاعِقَةً﴾؛ أي: عذابًا هائلًا شديد الوقع، كأنه صاعقة؛ يعني أن الصاعقة في الأصل قطعة من النار، تنزل من المساء فتحرق ما أصابته، استعيرت هنا للعذاب الشديد، تشبيهًا له بها في الشدة والهول؛ أي: أنذركم عذابًا شديدًا ﴿مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾؛ أي: مثل عذاب شديد نزل بعاد قوم هود وبثمود قوم صالح.
أي (١): لم يبق في حقكم علاج إلا إنزال العذاب الذي نزل على من قبلكم من المعاندين المتمردين، المعرضين عن الله تعالى وطلبه وطلب رضاه، فهم سلف لكم في التكذيب والجحود والعناد، وقد سلكتم طريقهم، فتكونون كأمثالهم في الهلاك، قال مقاتل: كان عاد وثمود ابني عم، وموسى وقارون ابني عم، وإلياس واليسع ابني عم، وعيسى ويحيى ابني خالة.
وإنما خص (٢) هاتين القبيلتين؛ لأن قريشًا كانوا يمرون على بلادهم في أسفارهم إلى الشام، فيرون آثارهم في الحجر.
وقرأ الجمهور: ﴿صَاعِقَةِ﴾ في الموضعين بالألف، وقرأ ابن الزبير والنخعي والسلمي وابن محيصن: ﴿صعقة﴾ بغير ألف في الموضعين، والصعقة: المرة من الصعق، أو الصعق، يقال: صعقته الصاعقة صعقًا؛ أي: أهلكته إهلاكًا فصعق صعقًا، والصاعقة: المهلكة من كل شيء،
١٤ - والظرف في قوله: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ﴾: متعلق بمحذوف حال من صاعقة عاد وثمود؛ أي: حال كون تلك الصاعقة نازلةً بهم وقت مجيء الرسل إليهم؛ أي: إلى عاد وثمود ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي (٣): من

(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon