على عتبة بن ربيعة: ﴿حم (١)﴾ أتى أصحابه فقال: يا قوم، أطيعوني في هذا اليوم، واعصوني بعده، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلامًا ما سمعت أذني قط كلامًا مثله، وما دريت ما أرد عليه.
وقد ذكرنا هذا القصص قبل برواية أخرى، وهذه الرواية أتم من سابقتها، فأعدناها تكميلًا للفائدة، وفي هذا الباب روايات كثيرة تدل على اجتماع قريش وإرسالهم عتبة بن ربيعة، وتلاوته - ﷺ - أول هذه السورة عليه.
١٥ - ولما بين سبحانه كفر قوم عاد وثمود إجمالًا، وبين معاذيرهما.. أردف ذلك بذكر ما لكل منهما من الجناية، وما حل به من العذاب، فقال: ﴿فَأَمَّا عَادٌ﴾ ولما (١) كان التفصيل مسببًا عن الإجمال السابق.. أدخل عليه ﴿الفاء﴾ السببية، هكذا ذكره صاحب "روح البيان" والأولى جعلها فصيحية كما سيأتي في مبحث الإعراب، والتقدير: إذا عرفت أن كلًّا من القبيلتين كفروا برسلهم، فأخذتهم الصاعقة، وأردت بيان ما لكل منهما من الجريمة والعقوبة.. فأقول لك: أما عاد قوم هود ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: تكبروا عن الإيمان بالله وتصديق رسله، وتعظموا فيها على أهلها ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾؛ أي: بغير استحقاق ذلك الذي وقع منهم من التكبر والتعظم، بل ركنوا إلى قوة نفوسهم.
ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر منهم من الأقوال الدالة على الاستكبار، فقال: ﴿وَقَالُوا﴾ اغترارًا بتلك القوة الموقوفة على عظم الأجسام: ﴿مَنْ﴾ للاستفهام الإنكاري؛ أي: لا أحد ﴿أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾؛ أي: قدرةً وكان طول كل واحد منهم ثمانية عشر ذراعًا، وبلغ من قوتهم أن الرجل منهم كان يقتلع الصخرة من الجبل، ويجعلها حيث شاء، وكانوا يظنون أنهم يقدرون على دفع العذاب بفضل قوتهم، فخانتهم قواهم لما استمكن منهم بلواهم، وقد رد الله سبحانه عليهم بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ و ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفلوا عن قدرة الله القاهرة، ولم يعلموا علمًا جليًا شبيهًا بالمشاهدة والعيان ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ وخلق الأشياء كلها خصوصًا الأجرام العظيمة كالسموات والجبال ونحوها؟، وإنما (٢) أورد

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon