في حيز الصلة خلقهم دون خلق السموات والأرض؛ لادعائهم الشدة في القوة ﴿هُوَ﴾ سبحانه ﴿أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾؛ أي: قدرة، لأن قدرة الخالق لابد وأن تكون أشد من قدرة المخلوق، إذ قدرة المخلوق مستفادة من قدرة الخالق، والقوة: عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف.
ولما كانت (١) صيغة التفضيل تستلزم اشتراك المفضل والمفضل عليه في الوصف الذي هو مبدأ اشتقاق أفعل، ولا اشتراك بينه تعالى وبين الإنسان في هذه القوة لكونه منزهًا عنها.. أريد بها القدرة مجازًا لكونها مسببة عن القوة بمعنى صلابة البنية ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ المنزلة على الرسل ﴿يَجْحَدُونَ﴾ والجحود: الإنكار مع العلم؛ أي: ينكرونها وهم يعرفون حقيقتها، كما يجحد المودع الوديعة وينكرها، وهو عطف على ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ وما بينهما اعتراض للرد على كلمتهم الشنعاء.
والمعنى: أنهم جمعوا بين الاستكبار وطلب العلوّ في الأرض، وهو فسق وخروج عن الطاعة بترك الإحسان إلى الخلق، وبين الجحود بالآيات وهو كفر وترك لتعظيم الحق، فكانوا فسقةً كفرةً، وهذان الوصفان لما كانا أصلي جميع الصفات الذميمة.. لا جرم سلّط الله عليهم العذاب، كما قال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾ إلخ.
ومعنى الآية (٢): أي فأما عاد فبغوا وعصوا ربّهم، ولم يقبلوا كلام الرسول الذي جاء لهم، وقالوا: من أشد منا قوة حتى يستطيع قهرنا وإذلالنا؟ وقد كانوا قومًا طوال القامة، شديدي الأسر، فاغترّوا بأجسامهم حين تهدّدهم رسولهم بالعذاب، فردّ الله عليهم موبّخًا لهم بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ إلخ؛ أي: أما يفكّرون فيمن يبارزون بالعداوة، إنه العظيم الذي خلق الأشياء كلها، وركّب فيها قواها الحاملة لها، وأنّ بطشه لشديد، وأنه لقادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء، فيقول: كن فيكون، وكانوا يعرفون أنّ آياتنا التي أنزلناها على رسلنا حقّ لا مرية فيها، ولكنهم جحدوها وعصوا رسله، وقد يكون المعنى: إنهم جحدوا الأدلّة التكوينية التي نصبناها لهم، وجعلناها حجة عليهم، أو بجميع ذلك.
(٢) المراغي.