١٦ - ثمّ ذكر سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه فقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على عاد ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ لتقلعهم من أصولهم؛ أي: ريحًا باردة تهلك وتحرق بشدّة بردها، كإِحراق النار بحرّها من الصرّ وهو البرد الذي يصرّ أي: يجمع ويقبض؛ أي: ريحًا عاصفةً تصرصر؛ أي: تصوّت في هبوبها، قيل: إنها الدبور مقابل القبول؛ أي: الصبا التي تهبّ من مطلع الشمس، فيكون الدبور ما تهبّ من مغربها ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ جمع (١) نحسة من نحس على وزن علم؛ أي: في أيام منحوسات مشؤومات ليس فيها شيء من الخير، فنحوستها أن الله تعالى أدام تلك الرياح فيها على وتيرة وحالة واحدة بلا فتور، وأهلك القوم بها، لا كما يزعم المنجّمون من أنّ بعض الأيام قد يكون في حدّ ذاته نحسًا، وبعضها سعدًا، استدلالًا بهذه الآية، لأنّ أجزاء الزمان متساوية في حدّ ذاتها، ولا تمايز بينها إلا بحسب تمايز ما وقع فيها من الطاعات والمعاصي، فيوم الجمعة مثلًا سعد بالنسبة إلى المطيع، نحس بالنسبة إلى العاصي، وإن كان سعدًا في حدّ نفسه، قال رجل عند الأصمعيّ: فسد الزمان، فقال الأصمعي:
إِنَّ الْجَدِيْدَيَنِ فِيْ طُوْلِ اخْتِلَافِهِمَا | لَا يَفْسَدَانِ وَلَكِنْ يَفْسُدُ الْنَّاسُ |
نَذُمُّ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِيْنَا | وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ إِذًا هَجَانَا |
(٢) روح البيان.