وقرأ الحرميان (١) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج: ﴿نحسات﴾ بسكون الحاء، جمع نحس بسكون الحاء، فاحتمل أن يكون مصدرًا وصف به، وتارةً يضاف إليه، واحتمل أن يكون مخفّفًا من فعل، وقرأ قتادة وأبو رجاء والجحدري وشيبة وأبو جعفر والأعمش وباقي السبعة: بكسر الحاء وهو القياس، واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقوله: ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾، واختار أبو عبيد القراءة الثانية.
والمعنى (٢): فأرسلنا عليهم ريحًا باردة تهلك بشدة بردها، وإذا هبّت.. سمع لها صوت قويّ لتكون عقوبة لهم من جنس ما اغترُّوا به أيام مشؤومات نكدات متتابعات، كما قال في آية أخرى: ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾.
ثم بين الغاية التي من أجلها نزل العذاب فقال: ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ﴾؛ أي: لكي نذيقهم بسبب ذلك الاستكبار عذاب الذل والهوان ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وقرىء: ﴿لتذيقهم﴾ بالتاء، وقال الزمخشري: أسنادًا للإذاقة إلى الريح، أو للأيام النحسات، وإضافة (٣) العذاب إلى الخزي: من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة على طريق التوصيف بالمصدر للمبالغة؛ أي: العذاب الخزي؛ أي: الذليل المهان على أنّ الذليل المهان في الحقيقة أهل العذاب لا العذاب نفسه ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لعذاب الآخرة ﴿أَخْزَى﴾؛ أي: أذل وأزيد خزيًا، وأشد إهانةً من عذاب الدنيا، وهو في الحقيقة أيضًا وصف للمعذّب، وقد وصف به العذاب على الإسناد المجازي لحصول الخزي بسببه ﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ أي: لا يمنعون من العذاب النازل بهم، ولا يدفعه عنهم دافع، لأنهم لم ينصروا الله ودينه، وأما المؤمنون فإنهم وإن كانوا ضعفاء.. فقد نصرهم الله تعالى، لأنهم نصروا الله ودينه، فعجبًا من القوة في جانب الضعف، وعجبًا من الضعف في جانب القوة، وفي الحديث: "إنكم تنصرون بضعفائكم"؛ أي: الضعفاء الداعين لكم بالنصرة، وقال خالد بن برمك: اتقوا مجانيق الضعفاء؛ أي: دعواتهم.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.