يقول الفقير (١): إنما عذّبت بريح صرصر، لأنهم اغتروا بطول قاماتهم، وعظم أجسادهم، وزيادة قوّتهم، فظنّوا أنّ الجسم إذا كان في القوة والثقل بهذه المرتبة.. فهو يثبت في مكانه. ويستمسك، ولا يزيله عن مقرّه شيء من البلاء، فسلّط الله عليهم الريح، فصارت أجسامهم كريشة في الهواء.
وكان - ﷺ - يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح، ويقول: "اللهم اجعلها رحمةً ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها لنا رياحًا"؛ أي: رحمةً "ولا تجعلها ريحًا"؛ أي: عذابًا، وأراد به أن أكثر ما ورد في القرآن من الريح بلفظ المفرد فهو عذاب، نحو: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ وإن جاء في الرحمة أيضًا نحو: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ وكل ما جاء بلفظ الجمع على الرياح فهو رحمة لا غير، ويقول - ﷺ -؛ أي: عند هبوب الرياح، وعند سماع الصوت والرعد والصواعق أيضًا: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك".
١٧ - وبعد أن ذكر قصص عاد، أتبعه بقصص ثمود فقال: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ﴾؛ أي: قبيلة ثمود، فهو غير منصرف للعلمية والتأنيث، ومن نوّنه وصرفه جعله اسم رجل، وهو الجدّ الأعلى للقبيلة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ﴾ بالرفع ومنع الصرف، وقرأ الأعمش وابن وثاب بالرفع والصرف، وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وعاصم في رواية: بالنصب والصرف، وقرأ الحسن وابن هرمز وعاصم في رواية: بالنصب والمنع، فأما الرفع فعلى الابتداء، والجملة بعده: الخبر، وأما النصب. فعلى الاشتغال، وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحيّ، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة، كما مرّ آنفًا.
﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: فدللناهم على الحق بنصب الآيات التكوينية، وبيّنا لهم طريق النجاة بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الآيات الشريفة، ورحمنا عليهم بالكلية، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ويصدّق رسله، قال الفرّاء: معنى الآية: دللناهم على مذهب الخير والنجاة بإرسال الرسل. والمراد بالهداية، الدلالة على ما
(٢) الشوكاني.