فابتلوا بالإحراق الظاهر، ألا ترى أنَّ يعقوب عليه السلام ذبح جديًا بين يدي أمه، فابتلي بفراق يوسف واحتراقه على ما قاله البعض؛ أي: فأرسلنا عليهم صيحةً ورجفةً وذلًا وهوانًا بما كانوا يكسبون من الآثام بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسله
١٨ - ﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله من تلك الصاعقة، وكانوا مئةً وعشرة أنفس ﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ الشرك، أو عقر الناقة.
أي: ونجينا صالحًا ومن آمن معه من المؤمنين من ذلك العذاب، فلم يمسسهم سوء، ولا نزل بهم مكروه بإيمانهم وتقواهم وصالح أعمالهم،
١٩ - والظرف في قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ﴾: متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد لقومك المعاندين لك، حال الكفار يوم يحشر ويجمع أعداء الله المذكورون، من عاد وثمود وهو يوم القيامة، لا الأعداء من الأولين والآخرين لما سيأتي من قوله تعالى: ﴿فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ والتعبير بالأعداء للذم والإيذان بعلة ما يحيق بهم من فنون العذاب، بمعنى أنهم يجمعون ﴿إِلَى النَّارِ﴾؛ أي: إلى موقف الحساب؛ إذ هناك تتحقق الشهادة الآتية لا بعد تمام السؤال والجواب وسوقهم إلى النار، والتعبير عنه بالنار إما للإيذان بأنها عاقبة حشرهم وأنهم على شرف دخولها، وإما لأنّ حسابهم يكون على شفيرها، وفي الآية إشارة إلى أنّ من لم يمتثل أوامر الله، ولم يجتنب عن نواهيه، ولم يتابع رسوله.. فهو عدو الله، وإن كان مؤمنًا بالله، مقرًّا بوحدانيته، وأنّ وليّ الله من كان يؤمن بالله ورسله، ويمتثل أوامر الله بمتابعة الرسول، ويحشر الأولياء إلى الله وجنته، كما يحشر الأعداء إلى نار البعد وجحيمه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يُحْشَرُ﴾ مبنيًا للمفعول، و ﴿أَعْدَاءُ﴾ رفعًا على النيابة، وقرأ زيد بن علي ونافع والأعرج وأهل المدينة: ﴿نحشر﴾ بالنون وضمّ الشين ﴿أعداء﴾ نصبًا على المفعولية، وقرىء (٢): ﴿يحشر﴾ بالبناء للفاعل، ونصب ﴿أَعْدَاء﴾ وقرىء: بكسر الشين مع البناء للفاعل في الحالين ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾؛ أي: يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا، وهو كناية عن كثرة أهل النار، وفيه إشارة إلى أنّ في الوزع عقوبة لهم.
(٢) المراح.