كنتم تستترون عنها بترك الذنوب، وفي الآية إيماء إلى أنه لا ينبغي للمؤمن أن تمرّ عليه حال إلا وهو يفكر في أنّ الله رقيب عليه، كما قال أبو نوّاس:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقِيْبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفَلُ سَاعَةً | وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيْبُ |
٢٣ - ﴿وَذَلِكُمْ﴾ الظن أيها الأعداء، وهو مبتدأ (٢) خبره قوله: ﴿ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ﴾ وهو أنَّ الله لا يعلم كثيرًا مما يعملون، وإلا فالله تعالى عالم بجميع الكليات والجزئيات، وهو خالق الأعمال وسائر الأعراض، والجواهر والمطلع على البواطن والسرائر، كما هو مطلع على الظواهر، والتغاير بين العنوانين أمر جليّ، لظهور أنَّ ظنَّ عدم علم الله غير الظن بالرب، فيصح أن يكون خبرًا له ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ خبر آخر له؛ أي: أهلككم وطرحكم في النار ﴿فَأَصْبَحْتُمْ﴾؛ أي: صرتم بسبب ذلك الظن السوء الذي أهلككم ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾؛ أي: من الكاملين في الخسران حيث ظننتم بالله ظنّ السوء، وسوء الظن بالله من أكبر الكبائر كحب الدنيا، وقيل (٣): إنّ ﴿أَرْدَاكُمْ﴾: في محل نصب على الحال المقدرة، وقيل: إن ﴿ظَنُّكُمُ﴾: بدل من ﴿ذَلِكُمْ﴾ و ﴿الَّذِي ظَنَنْتُمْ﴾: خبره و ﴿أَرْدَاكُمْ﴾: خبر آخر أو حال، وقيل: إن ﴿ظَنُّكُمُ﴾: خبر أول، والموصول وصلته خبر ثان، و ﴿أَرْدَاكُمْ﴾: خبر ثالث، والمعنى: أنّ ظنكم بأنّ الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون، أهلككم وطرحكم في النار، فصرتم من الكاملين في الخسران.
وحاصل معنى الآية (٤): أي وهذا الظن الفاسد الذي قد كان منكم في الدنيا،
(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.