الأنواع ﴿قَدِيرٌ﴾ على ما يريد أن يخلق، فيفعل ما يفعل بحكمة وعلم.
وفي "فتح الرحمن": فإن قلت (١): لم قدم الإناث مع أن جهتهن التأخير، ولم عرف الذكور دونهن؟.
قلت: لأن الآية سيقت لبيان عظمة ملكه ومشيئته، وأنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاء عبيده، كما قال: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ولما كان الإناث مما لا يختاره العباد، قدمهن في الذكر، لبيان نفوذ إرادته ومشيئته وانفراده بالأمر، ونكرهن وعرف الذكور لانحطاط رتبتهن، لئلا يظن أن التقديم كان لأحقيتهن به ثم أعطى كل جنس حقه من التقديم والتاخير، ليعلم أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن، بل لمقتضى آخر فقال: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾.
وقال أبو حيان: ولما (٢) ذكر الهبة في الإناث، والهبة في الذكور، اكتفى عن ذكرها في قوله: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾، ولما كان العقيم ليس بمحمود قال: ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾، وهو قسيم لمن يولد له، وتغيير العاطف في الثالث؛ لأنه قسيم المشترك بين القسمين، ولم يحتج إليه في الرابع لإفصاحه، بأنه قسيم المشترك بين الأقسام الثلاثة، ذكره "البيضاوي"، ولما كان الخنثى مما يحزن بوجوده لم يذكره سبحانه وتعالى، قالوا: وكانت الخلقة مستمرة ذكرًا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى، فسئل فارض العرب ومعمرها، عامر بن الظرب عن ميراثه، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم، فلما جن عليه الليل، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار، وأنكرت خادمته حاله، فسألته، فقال: بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه، فقالت له: ما هو، فقال شخص له ذكر وفرج، كيف يكون حاله في الميراث، قالت له الأمة: ورثه من حيث يبول، فعقلها وأصبح، فعرضها عليهم فرضوا بها، وجاء الإِسلام على ذلك، وقضى بذلك علي كرم الله وجهه.
٥١ - ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾؛ أي: وما صح لفرد من أفراد البشر يا محمد {أَنْ

(١) فتح الرحمن.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon