﴿يُكَلِّمَهُ اللَّهُ﴾ سبحانه بوجه من الوجوه، إلا بإحدى طرق ثلاث:
١ - ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾ استثناء من أعم الأحوال؛ أي: ما كان له أن يكلمه الله في حال من الأحوال، إلا حالة كونه وحيًّا وإلهامًا، وإلقاء من الله تعالى في روعه وقلبه، كما أوحى إلى أم موسى، وإلى إبراهيم في ذبح ولده، وكما روى ابن حبان في "صحيحه"، أن رسول الله - ﷺ - قال: "إن روح القدس نفث في روعي، إن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب".
٢ - ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾؛ أي: أو إلا حالة كونه من وراء حجاب، بأن يسمعه كلامه جهرة، من غير أن يبصر السامع من يكلمه، فهو تمثيل له بحال الملك المحتجب، الذي يكلم بعض خواصه من وراء الحجاب، يسمع صوته، ولا يرى شخصه، وإلا فالله تعالى منزه عن الاستتار بالحجاب، الذي هو من خواص الأجسام، فالحجاب يرجع إلى المستمع، لا إلى الله تعالى المتكلم، وذلك كما كلم الله تعالى موسى في طوى والطور، ولذا سمي كليم الله؛ لأنه سمع صوتًا دالًا على كلام الله تعالى، من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسبًا لأحد من الخلق.
٣ - ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾؛ أي: أو إلا حالة كونه بأن يرسل رسولًا؛ أي: ملكًا من الملائكة، إما جبرئيل أو غيره ﴿فَيُوحِيَ﴾ ذلك الرسول إلى المرسل إليه الذي هو الرسول البشري ﴿بِإِذْنِهِ﴾؛ أي: بأمره تعالى وتيسيره ﴿مَا يَشَاءُ﴾ الله سبحانه أن يوحيه إليه من أمر أو نهي، كما كان جبريل ينزل على النبي - ﷺ - وعلى غيره من الأنبياء، وهذا هو الذي بينه تعالى وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في عامة الأوقات من الكلام، فيكون إشارة إلى التكلم بواسطة الملك.
رُوي: أن النبي - ﷺ - قال: "من الأنبياء من يسمع الصوت، فيكون بذلك نبيًا، ومنهم من ينفث في أذنه وقلبه، فيكون بذلك نبيًا، وإن جبرئيل يأتيني فيكلمني، كما يكلم أحدكم صاحبه".
وروى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن


الصفحة التالية
Icon