﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: وان ذلك الكتاب يعني: القرآن ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ وهو خبر أول لـ ﴿إن﴾، والجملة معطوفة على جواب القسم، وسمي (١) اللوح المحفوظ أم الكتاب؛ لأنه أصل الكتب السماوية، فإن جميعها مثبتة فيه على ما هي عليه عند الأنبياء، ومأخوذة مستنسخة منه. وقوله: ﴿لَدَيْنَا﴾ بدل من الجار والمجرور قبله، أو حال من الضمير المستكن فيه.
والمعنى: وإن هذا القرآن مثبت في اللوح المحفوظ، ومحفوظ لدينا، أو حال كونه محفوظًا لدينا عن تبديل وتغيير. وقوله: ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ خبران آخران لـ ﴿إن﴾ أيضًا؛ أي: وإن هذا الكتاب لعليّ؛ أي: لرفيع القدر من بين الكتب السماوية شريف حكيم؛ أي: ذو حكمة بالغة، أو محكم النظم لا يوجد فيه اختلاف ولا تناقض، أو محكم لا يتطرق إليه نسخ بكتاب آخر، ولا تبديل.
والمعنى (٢): أي وإن هذا الكتاب في علمه الأزلي رفيع الشأن، لاشتماله على الأسرار والحكم التي فيها سعادة البشر، وهدايتهم إلى سبيل الحق، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ بضم الهمزة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي بكسرها، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق غفلة منه، وقال ابن جريج: المراد بقوله: ﴿وَإِنَّهُ﴾: أعمال الخلق من إيمان وكفر وطاعة ومعصية، وقال قتادة: أخبر عن منزلته وشرفه وفضله؛ أي: إن كذبتم به يا أهل مكة، فإنه عندنا شريف رفيع، محكم من الباطل، انتهى.
٥ - وبعدما بين سبحانه علو شأن القرآن العظيم، وحقق أن إنزاله على لغتهم ليعقلوه، ويؤمنوا به، ويعملوا بموجبه، عقب ذلك بإنكار أن يكون بخلافه، فقال: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ﴾ والهمزة (٣) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على مقدر

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon