تدعو إلى تخليتكم، وما تريدون حتى تموتوا على الضلال، أراد أنه تعالى من رحمته ولطفه بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل يأمر به ليهتدي من قدر له الهداية، وتقوم الحجة على من كتب له الشقاوة.
٦ - ثم قال مسليًا رسوله - ﷺ - على تكذيب قومه، آمرًا له بالصبر، مهددًا للمشركين، منذرًا لهم بشديد العقاب: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦)﴾ ﴿كَمْ﴾ خبرية (١) بمعنى عدد كثير في موضع النصب، على أنه مفعول مقدم لأرسلنا، و ﴿مِنْ نَبِيٍّ﴾ تمييز و ﴿فِي الْأَوَّلِينَ﴾ متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾، أو بمحذوف مجرور على أنه صفة لنبي.
والمعنى: كثيرًا من الأنبياء أرسلنا في الأمم الأولين والقرون الماضين.
٧ - ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ ضمير يأتيهم إلى الأولين، وهو حكاية حال ماضية مستمرة، كما سيأتي؛ لأن ﴿مَا﴾ إنما تدخل على مضارع في معنى الحال، أو على ماض قريب منها؛ أي: وما أتى وجاء أولئك الأولين نبي من الأنبياء والمرسلين ﴿إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي إلا كانوا يستهزؤون بذلك النبي ويكذبونه؛ أي: إلا كانوا مستمرين على التكذيب. يعني: أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق، هو التكذيب والاستهزاء، كما استهزأ قومك بك، فلا ينبغي لك أن تتأذى من قومك بسبب تكذيبهم واستهزائهم إياك؛ لأن المصيبة إذا عمت خفت
٨ - ﴿فَأَهْلَكْنَا﴾ واستأصلنا بسبب تكذيبهم أنبياءهم قومًا ﴿أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾؛ أي: أشد بطشًا وأخذًا وصولة، من هؤلاء القوم المسرفين. وهم قريش؛ أي: أهلكنا قومًا أشد قوة وجلدًا، وأكثر عُددًا وعَددًا، من هؤلاء القوم الذين كذبوك، بسبب تكذيبهم أنبياءهم، و ﴿بَطْشًا﴾ تمييز، وهو الظاهر، أو حال من فاعل ﴿أَهْلَكْنَا﴾؛ أي: باطشين. والبطش: تناول الشيء بصولة، والأخذ بشدة، كما سيأتي في مبحث المفردات. وهذا وعد له - ﷺ - ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين، ووصفهم بأشدية البطش؛ لإثبات حكمهم لهؤلاء المشركين بطريق