خلق السموات والأرض؟ لأجابوك بقولهم: خلقهن العزيز في سلطانه، وانتقامه، من أعدائه، العلم بهن، وما فيهن، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
والخلاصة: أنهم يعترفون بأنه لا خالق لهما سواه، وهم مع هذا، يعبدون معه تعالى غيره من الأصنام والأوثان.
١٠ - ثم وصف سبحانه نفسه، بما يدل على عظيم نعمته على عباده، وكمال قدرته في مخلوقاته، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ وصير ﴿لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾؛ أي: فراشًا وبساطًا، وهذا كلام مستأنف غير متصل بما قبله، ولو كان متصلًا بما قبله من جملة مقول الكفار.. لقالوا: الذي جعل لنا الأرض مهادًا. وقرأ (١) الجمهور: ﴿مِهَدًا﴾. وقرأ الكوفيون ﴿مهدا﴾. والمهد والمهاد: المكان الممهد الموطأ، لقوله تعالى: ﴿جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾؛ أي: بسطها لكم تستقرون فيها، وفي "بحر العلوم" جعل الأرض مسكنًا لكم تقعدون عليها، وتنامون، وتتقلبون كما يتقلب أحدكم على فراشه ومهاده. وفي "الخازن": معناه: جعلها واقفة ساكنة يمكن الانتفاع بها، ولما كان المهد موضع راحة الصبي، شبهها به، وسمى الأرض مهادًا لكثرة ما فيها من الراحة للخلق، انتهى. ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا﴾؛ أي: في الأرض ﴿سُبُلًا﴾؛ أي: طرقًا تسلكونها في أسفاركم، إلى حيث تريدون، لقضاء حوائج الدين والدنيا، وقيل: معايش تعيشون بها ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ بها، وتصلون إلى مقاصدكم ومنافعكم، أو بالتفكر فيها إلى التوحيد الذي هو المقصد الأصلي.
والمعنى (٢): والعزيز العليم هو الإله الذي مهد لكم الأرض، وجعلها لكم وطاءًا تطؤونها بأقدامكم. وتمشون عليها بأرجلكم، وجعل لكم فيها طرقًا تنتقلون فيها من بلد إلى آخر، ومن إقليم إلى إقليم لمعاشكم ومتاجركم وابتغاء رزقكم.
والخلاصة: أن الخلق كلهم يتربون على الأرض، وهي موضع راحتهم كما يربي الصبي على مهده.

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon