١١ - ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾؛ أي: وهو الإله الذي نزل من السماء ماء ﴿بِقَدَرٍ﴾؛ أي: بمقدار ووزن ينفع العباد والبلاد ولا يضرهم؛ أي: ينزله بقدر الحاجة، وحسبما تقتضيه المصلحة، ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زروعكم، ويهدم منازلكم، ويهلككم بالغرق كما في الطوفان، ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة، وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة، والتقتير أخرى.
وهذه (١) عادة الله سبحانه في عامة الأوقات، وقد ينزل بحسب الحكمة ما يحصل به السيول فيضرهم، وذلك في عشرين أو ثلاثين سنة مرة ابتلاء منه لعباده، وأخذًا لهم بما اقترفوا كما جرب ذلك ﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ﴾؛ أي: فأحيينا بذلك الماء ﴿بَلْدَةً مَيْتًا﴾؛ أي: أرضًا مقفرة من النبات والنماء، خالية منه بالكلية، والإنشار: إحياء الميت، شبه زوال النماء عنها بزوال الحياة عن البدن، وتذكير ميتا؛ لأن البلدة في معنى البلد، أو المكان، أو الفضاء. وقال سعدي المفتي: لا يبعد، والله تعالى أعلم أن يكون تأنيث البلدة، وتذكير الميت إشارة إلى بلوغ ضعف حاله الغاية. والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره كما سيأتي في مبحث البلاغة، وميتًا مخففًا من الميت مشددًا، قرأ الجمهور (٢): ميقال بالتخفيف. وقرأ عيسى وأبو جعفر بالتشديد.
﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الإحياء الذي هو في الحقيقة إخراج النبات من الأرض ﴿تُخْرَجُونَ﴾ من قبوركم، وتبعثون أحياء، فإن من قدر على هذا قدر على ذلك، فتشبيه إحيائهم بإحياء البلدة الميت، كما يدل على قدرة الله تعالى وحكمته مطلقًا، فكذلك يدل على قدرته على القيامة والبعث. وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى، وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات، وتهوين لأمر البعث لتقويم سند الاستدلال، وتوضيح منهاج القياس.
(٢) الشوكاني.