يوم ظعنكم وإقامتكم، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة، وفيه إقرار بالرجوع إلى الله بالبعث، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك، وبعثور الدابة، إذ ركوبها أمر فيه خطر، ولا تؤمن السلامة فيه.
وجاء في الحديث: أنه - ﷺ - كان إذا وضع رجله في الركاب قال: "بسم الله"، فهذا استوى على الدابة قال: "الحمد لله على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا" إلى قوله: "لمنقلبون"، وكبر ثلاثًا، وهلل ثلاثًا.
وقالوا: إذا ركب في السفينة، أو الباخرة، أو الطائرة، أو السيارة قال ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)﴾. ويقال عند النزول منها: "اللهم أنزلنا منزلًا مباركًا، وأنت خير المنزلين"، كما يدل عليه قصة ركوب نوح عليه السلام السفينة، ونزوله منها.
ومعنى الآية (١): أي لكي تستووا، على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام، ثم تذكروا نعمة ربكم، الذي أنعم بها عليكم، فتعظموه وتمجدوه، وتقولوا تنزيهًا له عما يصفه المشركون: سبحان الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه، وما كنا لولا تسخيره وتذليله بمطيقين ذلك، فالأنعام مع قوتها ذللها للإنسان، ينتفع بها حيث شاء وكيفما أراد، ولولا ذلك ما استطاع الانتفاع بها، ولقد أشار إلى نحو من هذا العباس بن مرداس، فقال في وصف الجمل:

وَتَضْرِبُهُ الوَليْدة بالهَرَاوى فلا غيرٌ لَدَيْهِ وَلَا نَكِيْرُ
واعلم: أنه سبحانه وتعالي، عين لنا ذكرًا خاصًا حين ركوب السفينة، وهو قوله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾، وذكرًا آخر حين ركوب الأنعام، وهو قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾، وذكرًا ثالثًا حين دخول المنازل، وهو قوله: ﴿رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾.
(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon