﴿اشهدوا﴾ بغير استفهام مبنيًا للمفعول رباعيًا، فقيل: المعنى على الاستفهام، حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليها.
وقيل: سألهم الرسول - ﷺ -: "ما يدريكم أنهم إناث"، فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ عنها في الآخرة؛ أي: ستكتب شهادتهم هذه، التي شهدوا بها في الدنيا، أي: يكتب الملك ما شهدوا به على الملائكة، في ديوان أعمالهم، ويسألون عنها يوم القيامة، ليأتوا ببرهان على صحتها، ولن يجدوا لذلك سبيلًا.
وقال سعدي المفتي (١): السين في ﴿سَتُكْتَبُ﴾ للتأكيد، ويحتمل أن تكون للاستعطاف إلى التوبة، قبل كتابة ما قالوه، وفي الحديث: "كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يساره، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح الله أو يستغفره". وفي هذا دليل على أن القول بغير برهان منكر، وأن التقليد لا يغني من الحق شيئًا، ثم في الآية إشارة إلى أن الله تعالى أمهل عباده، ولم يأخذهم بغتة في الدنيا، ليرى العباد أن العفو والإحسان، أحب إليه من الأخذ والانتقام، وليتوبوا من الكفر والمعاصي.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿سَتُكْتَبُ﴾ بالتاء من فوق، مبنيًا للمفعول، ﴿شَهَادَتُهُمْ﴾ بالرفع مفردًا، وقرأ الزبيري كذلك، إلا أنه بالياء، وقرأ الحسن كذلك إلا أنه بالتاء، وجمع شهادتهم، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وأبو جعفر وأبو حيوة وابن أبي عبلة والجحدري والأعرج ﴿سنكتب﴾ بالنون مبنيًا للفاعل. ﴿شهادتهم﴾: على الإفراد، وقرأت فرقة ﴿سيكتب﴾ بالياء مبنيًا للفاعل؛ أي: الله ﴿شهادتهم﴾ بالنصب.
٢٠ - ثم حكى الله سبحانه وتعالى عنهم، فنًّا آخر من فنون كفرهم بالله، جاؤوا به

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon