والهوى وتقليد الأسلاف وتخبط الجاهلية.
٤ - احتجاجهم بتقدير الله ذلك، وقد جهلوا في هذا جهلًا كبيرًا، فإنه تعالى أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ أن بعث الرسل وأنزل الكتب، يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة سواه، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)﴾. وقال عز وجل: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)﴾. ونحو الآية: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾.
ثم رد الله سبحانه عليهم مقالهم، وبين جهلهم بقوله: ﴿مَا لَهُم﴾؛ أي: ما لهؤلاء المشركين ﴿بِذَلِكَ﴾؛ أي (١): بصحة ما قالوا، واحتجوا به من كون ما فعلوه بمشيئة الارتضاء، لا بمطلق المشيئة، فإن ذلك أمر محقق، ينطق به ما لا يحصى من الآيات الكريمة ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ ويقين يستند إلى دليل وبرهان ما ﴿إِنْ هُمْ﴾؛ أي: ما هم ﴿إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾؛ أي: يكذبون، فإن الخرص: الكذب، وكل قول بالظن والتخمين سواء طابق الواقع أو لا؛ أي: ما هم إلا كاذبون فيما قالوا، متمحلون تمحلًا باطلًا، متقولون على الله ما لم يقله، فإن الله يأمر بالحق والإيمان والخير، ولا يرضى لعباده الكفر والفحشاء، والآية دليل على جهلهم الفاضح وكذبهم وافترائهم الباطل، وقاله هنا بلفظ ﴿يَخْرُصُونَ﴾، وفي الجاثية بلفظ ﴿يَظُنُونَ﴾؛ لأن ما هنا متصل بقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ﴾ الآية؛ أي: قالوا: الملائكة بنات الله، وأن الله سبحانه قد شاء منا عبادتنا إياهم، وهذا كذب، فناسبه ﴿يَخْرُصُونَ﴾، وما هناك متصل بخلطهم الصدق بالكذب، فإن قولهم: نموت ونحيا صدق، وكذبوا في إنكارهم البعث، وقولهم: وما يهلكنا إلا الدهر، فناسبه ﴿يَظُنُونَ﴾؛ أي: يشكون فيما يقولون، اهـ "كرخي".