واقتفاء الآثار، كما قال قيس بن الخطيم:

كُنَّا عَلَى أُمَّةِ ابائِنَا وَيَقْتَدِيْ بِالأوّلِ الآخِرُ
والخلاصة: أنهم اعترفوا بأن لا مستند لهم من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث النقل، وإنما يستندون إلى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أمة﴾ بضم الهمزة أي على دين. وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والجحدري بكسر الهمزة وهي الطريقة الحسنة، لغة في الأمة بالضم، قاله الجوهري. وقرأ ابن عباس ﴿أمة﴾ بفتح الهمزة؛ أي: على قصد وحال، والخلاف في الحرف الثاني كهو في الأول.
٢٣ - ثم بين سبحانه، أن مقال هؤلاء قد سبقهم إلى مثله أشباههم، ونظراؤهم من الأمم السالفة، المكذبة للرسل، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي (٢): والأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة، وتشبثهم بذيل التقليد، فهو خبر لمبتدأ محذوف، كما قدرنا، وما بعده مستأنف ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ يا محمد ﴿فِي قَرْيَةٍ﴾ من القرى ﴿مِنْ نَذِيرٍ﴾؛ أي: من نبي منذر قومه من عذاب الله ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾؛ أي: متنعموها وأغنياؤها وجبابرتها ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا﴾ وأسلافنا ﴿عَلَى أُمَّةٍ﴾؛ أي: على طريقة ودين ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ﴾ وطريقتهم ﴿مُقْتَدُونَ﴾؛ أي: متبعون وقوله: ﴿مَا أَرْسَلْنَا﴾ كلام مستأنف قال على أن التقليد فيما بينهم ضلال قديم، ليس لأسلافهم أيضًا سند غيره، وخص (٣) المترفين بتلك المقالة، للإيذان بأن التنعيم وحب الطالة، هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد، يقال: أترفته النعمة أطغته، والمراد بالمترفين: الأغنياء والرؤساء، الذين أبطرتهم النعمة وسعة العيش في الدنيا، وأشغلتهم عن نعيم الآخرة، ويدخل فيهم كل من يتمادى في الشهوات، ويتبالغ في النفرة من لوازم الدين، من الشرائع والأحكام، ويحتمل كون كذلك صفةً لمصدر محذوف مع فعله، والمعنى عليه؛ أي (٤): ومثل هذا
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon